كتابات خاصة

كيف نحيي ذكرى مولد نبينا؟

محمد عزان

جاء عن أم المؤمنين عائشة أن جماعة من اليهود دخلوا على رسول الله، فقالوا: السام (= الموت) عليكم، قالت عائشة ففهمتها فقلت: وعليكم السام واللعنة.. فقال رسول الله: “مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله فقلت يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا؟ قال قد قلت: وعليكم.

جاء عن أم المؤمنين عائشة أن جماعة من اليهود دخلوا على رسول الله، فقالوا: السام (= الموت) عليكم، قالت عائشة ففهمتها فقلت: وعليكم السام واللعنة.. فقال رسول الله: “مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله فقلت يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا؟ قال قد قلت: وعليكم.
يروي صحابة النبي: أن رجلا أتاه فقال: إني لأتأخر عن صلاة الفجر من أجل فلان، مما يطيل بنا.. فقام النبي خطيباً فقال: يا أيها الناس إن فيكم منفرين!! فأيكم صلى بالناس فليخفف، فإن فيهم الكبير والمريض وذا الحاجة، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء .. وإني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه.
ويرون: أن أعربياً بال في المسجد!! فثار إليه الناس ليقعوا فيه .. فقال لهم رسول الله: دعوه !! وصبوا على بوله دلواً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين.
هذه ثلاثة نماذج من تعامل المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم مع الناس .. الأول: في تعامله مع غير اهل ملته. والثاني: في تعامله مع أهل ملته. والثالث: في تعامله المشركين. وكلها تتفجر رحمة وتنهمر عطفاً وتصدم النفس البشرية بذلك المقدار من الرفق والتسامح والعفو، الذي يجعل الشر ينخفض إلى أدنى مستوياته، ويهيئ القلوب والعقول لتقبل ما يلقى إليها من أنوار الهداية وتعاليم الرشاد، وصدق الله القائل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر..} [آل عمران/ 159].
ذلك القلب الرحيم الرقيق يفيض بالعطف ويَسَع مشاكل الناس وأخطاء الأجلاف، فلا يتعقد ولا يتشنّج ولا يضيق ولا يقسو، بل ينفتح على من حوله ويشعر بمعاناتهم، ويتلمس همومهم، ويقوّم اعوجاجهم برفق ولين وأسلوب يفيض بالأحاسيس المرهفة والمشاعر الطاهرة والنبضات الرحيمة. فلا تنطلق كلماته من قسوة تؤذي المشاعر، ولا تحرك بفظاظةٍ تجرح الإحساس.
وهنا نتوقف أمام حقيقة مهمة وهي أننا في أمس الحاجة لأن نتأسى بأخلاق نبينا التي تنعكس فيها معاني الإنسانية والتسامح والعطاء، لا سيما في هذا العصر الذي يعيش فيه المسلمون أسوا حالة تنافر وعداوة فيما بينهم، حتى أنهم بذلك قدموا للعالم صورة موحشة عن أثر الموروث التربوي والقيمي الذي تركه لنا نبينا، حتى صار البعض يتصور أن هنالك تلازم بين بين الإسلام وحالات البطش والإرهاب.
إن الهجمة الشرسة التي يشنها بعض الغافلين عن تعاليم نبي الإسلام وما يصونه به من صفات لا تليق به؛ إنما تتوجه نحو الصورة القبيحة التي يَرَونها في سلوكنا خصوصاً أن بعض المتعصبين منا يُصر على أنه بسلوكه المُوحش إنما يعكس جوهر التعاليم النبوية الكريمة.
ولا يكفي في استحضار ذكرى مولد النبي صلى الله عليه أن نتبادل التهاني أو نطلق الألعاب النارية ونعلِّق الزينة أو نردد الأهازيج، بل لا بد من أن نتمثل أخلاقه الكريمة في الرحمة والعطاء وبث روح المحبة والتسامح بين الناس.
  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى