في ليالي البرد الشديدة، هناك رجال يحرسون ثغور هذا البلد، يتقدمون الصفوف وأصابعهم على الزناد، لا يستطيعون إيقاد نار للدفيء كي لا يعرف العدو مكانهم. في ليالي البرد الشديدة، هناك رجال يحرسون ثغور هذا البلد، يتقدمون الصفوف وأصابعهم على الزناد، لا يستطيعون إيقاد نار للدفيء كي لا يعرف العدو مكانهم.
غذاؤهم لا يسد رمق الجوع لديهم، نومهم في الخنادق والتراب يكسو أجسامهم من كل مكان، يواصلون الليل بالنهار يحملون ألوان الطيف من ناحية القبيلة والتخصص والرتب العسكرية والمدينة التي ينتمون لها، لا هدف لهم غير تحرير شعبهم.
في إحدى الجبهات وفي جلسات الاستراحة كانوا يضحكون مع بعض، يتقاسمون ما تبقى في قنينة الماء وبعدها يرجعون إلى ثغورهم؛ يشتبكون مع العدو فيسقط أحدهم شهيداً، يحملونه على أكتافهم، يتمنون لو أنهم رووه كثيراً من الماء الذي تقاسموه، يتمنون أنهم اشبعوا النظر في وجهه لأنها كانت آخر جلسة معه.
تمنّوا أنهم سمعوا منه الكلام الكثير، لأنه رحل عنهم، فقد ارتقى شهيد إلى السماء.
يوم من التصوير بإحدى الجبهات في مأرب، كان في استقبالنا أحد رجال الثغور، كان يشرح لنا الأماكن التي سيطروا عليها وطردوا العدو منها، فانشغلت بالتصوير عنه؛ فجأة يسقط على المكان قذيفة هاون، الكل حمد الله على السلامة. ثم سألنا أين وقعت القذيفة فكانت من نصيب صاحبنا الذي كان في استقبالنا؛ لقد فصلت رأسه عن جسده، فمات.. نعم لقد مات.. ارتقى شهيداً.. ارتقى لكي نعيش.
عند الذهاب لتغطية جبهة الجوف، في الطريق مررنا في الصحراء على خيمة يحيط بها الشباب من كل مكان لمنع العدو من التسلل إلى المكان؛ كان وقت الظهسرة.. رأيت الجوع في وجههم والإرهاق والتعب على أجسادهم.. قالوا نحن في انتظار وجبة الغداء.. ذهبنا حينها في مهمتنا ثم انتهينا في الساعة الرابعة عصراً.. مررنا عند العودة بتلك النقطة والخيمة فسألنا الشباب عما هو جديد ثم سألناهم عن الغداء، فقالوا نحن لازلنا في الانتظار وجبة الغداء يوجد لدنيا ماء فقط..
الكثير من الحكايات اليومية والمواقف المؤثرة نراها عيانا، تجسد لنا كم هو هذا الشعب تواق إلى الحرية والكرامة والمستقبل الأفضل.
لا تدخلوا في نياتهم، فهم يبذلون ما في وسعهم بل يبذلون حياتهم وأرواحهم مقابل أن يعيش هذا الشعب في أمن وأمان.
تحية لكل رجال الثغور المرابطين في كل جبهات اليمن السعيد.
——-
*مصور صحفي