إنقاذ عملية السلام في اليمن من خلال إضعاف الزحف الحوثي نحو مأرب
يمن مونيتور/ مايكل نايتس, الكسندر ميلو
أصبحت قوات الحوثي حالياً على مسافة لا تبعد أكثر من عشرة أميال عن مدينة مأرب اليمنية. وسيؤدي سقوط مأرب بيد الحوثيين إلى إضعاف مصداقية جهود السلام المتعددة الأطراف وإضعافها، لذا يجب على الولايات المتحدة تسهيل المزيد من الدعم السعودي والإماراتي النشط للدفاع عن المدينة.
أصبحت قوات الحوثي حالياً على مسافة لا تبعد أكثر من عشرة أميال عن مدينة مأرب اليمنية، التي تتعرض لهجوم جوي وبري من المتمردين منذ 14 شهراً. وإذا سقطت المدينة ومنشآت الطاقة المجاورة لها، ستواجه الحكومة اليمنية الهشة وعملية السلام التي تقودها الولايات المتحدة والأمم المتحدة خطراً شديداً بالانهيار الكامل. ويستوجب هذا الخطر الوشيك اتخاذ خطوات قوية لمنع انتصار الحوثيين في مأرب، الأمر الذي من شأنه أن يقلب مجرى الحرب لصالحهم ويكافئ انتهاكاتهم المتكررة للترتيبات التي تقوم بها الأمم المتحدة لوقف التصعيد.
سبب أهمية مأرب
في هذه المرحلة من الحرب، اكتسبت مأرب قيمة رمزية واستراتيجية هائلة لعدة أسباب:
- مصادر الطاقة: تضم المنطقة أكبر حقول للنفط والغاز الطبيعي في اليمن، إلى جانب المحطة الكبرى والأكثر ربحية لتعبئة وتوزيع غاز الطهي.
- المقر البديل للحكومة: عندما سيطر الحوثيون على صنعاء في عام 2015، طردوا حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي من العاصمة، ولا يتمتع المسؤولون الموالون له إلا بتواجد ضعيف في عدن التي تعدّ ثاني أكبر مدينة في اليمن. وهذا الوضع يجعل مأرب أكبر مدينة يسيطر عليها هادي – وهي ذات أهمية استراتيجية نظراً لخط طيرانها المباشر وروابطها البرية مع المملكة العربية السعودية، حيث يقيم الرئيس اليمني حالياً. كما تستضيف مأرب ثلاثة من المقار العسكرية الإقليمية للحكومة ومكتب وزير الدفاع محمد المقدشي، الذي هو القائد الأعلى للقوات البرية.
- منصة انطلاق للهجمات الحاسمة: تقع مأرب عند تقاطع طرق رئيسي يربط المحافظات الجنوبية الممتدة على طول خليج عدن بصنعاء والسعودية. لذلك فإن الاستيلاء على المدينة قد يتيح للحوثيين شن تقدم سريع إلى داخل محافظة شبوة الغنية بالنفط ونحو المعبر الحدودي الرئيسي مع السعودية.
- النازحون: يقيم حالياً نحو مليوني شخص في مأرب، من بينهم أكثر من مليون نازح داخلياً. وإذا بدأ هؤلاء بالفرار من المدينة بصورة جماعية، فسوف يتسببون بأزمة لاجئين كبيرة في السعودية، والمحافظات الشرقية في اليمن، وسلطنة عُمان.
- مركز تجاري: تشكل مأرب قصة نجاح نادرة في الحرب: فهي رابطة تجارية تربط المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون (وبالتالي، غالبية سكان اليمن) بالسعودية وعُمان والمحافظات التي يسيطر عليها هادي. وإذا أصبحت تجارة السلع الأساسية واهية في مأرب بسبب الحرب، فسوف يقترب جميع اليمنيين من المجاعة – بمن فيهم أولئك المتواجدين في مناطق الحوثيين.
- الهيبة التاريخية: تضم المدينة سد مأرب الشهير، المذكور في القرآن الكريم والذي يعتبره البعض منبع القبائل العربية.
المعركة على مأرب
في هجومهم على مأرب عام 2015، كاد الحوثيون أن يسيطروا على المدينة لكن القوات اليمنية والإماراتية والسعودية تصدت لهم على مدى عامين. وقد فُقدت المنطقة العازلة – التي تم اكتسابها في ذلك الهجوم المضاد الذي دام فترة طويلة – بصورة كاملة منذ العام الماضي، ويعود ذلك جزئياً إلى تطوّرين سابقين هما “اتفاقية ستوكهولم” من كانون الأول/ديسمبر 2018 (والتي تم التوصل إليها بوساطة الأمم المتحدة وتضمن إمكانية قيام الحوثيين بنقل القادة والقوات بأمان من جبهة الحديدة إلى مأرب) وانسحاب الإمارات من معظم ساحات المعارك في عام 2019. وعلى مدار الأربعة عشر شهراً الماضية، تقدّم الحوثيون إلى مسافة عشرة أميال من شمال غرب مأرب. ويمكن سماع أصوات المعارك داخل الأحياء المزدحمة، بينما تصاعدت الضربات الصاروخية للمتمردين على المدينة نفسها.
لقد كانت خطة الهجوم الحوثية بسيطةً وناجحة للغاية. وتضمنت ثلاثة عناصر:
- الهجمات البرية: يعمد الحوثيون كل ثلاثة أشهر أو نحو ذلك على إعادة بناء قوتهم الهجومية عبر تجنيد الأطفال وغيرهم من المجندين غير المدربين. وتحت إشراف نواة من القادة والمحاربين القدامى، يتم دفع هؤلاء المجندين نحو مأرب في الشاحنات وعلى الأقدام في حركة مشابهة لحركة الكمّاشة للتضييق على مأرب: من الشمال الغربي على طول طريق مأرب – صنعاء والصحراء المفتوحة، ومن الجنوب الغربي للاستيلاء على وصلة الطريق الرئيسية بين محافظتَي مأرب وشبوة. إلّا أن هذه الهجمات تباطأت إلى حد كبير بسبب قوة دفاعية متصلبة تنتشر حول مجموعة من التلال غرب المدينة. أما القوات المسؤولة عن هذه المقاومة فهي مزيج من أفراد القبائل غير النظاميين، والميليشيات التابعة لحزب “التجمع اليمني للإصلاح” (أو “حزب الإصلاح”) ذي التوجه الإسلامي، وفصائل “الجيش الوطني اليمني” التي يهيمن عليها “حزب الإصلاح”. وهي مدعومة بضربات جوية سعودية حسنة الاستهداف ضد تجمعات الحوثيين الذين يحاولون الزحف شمالاً عبر الصحراء نحو منشأة صافر للنفط والغاز. وخلال هجمات الحوثيين الشديدة، شنّ السعوديون ما يصل إلى ثلاثين غارة جوية من هذا القبيل يومياً، مستخدمين قنابل تزن 1000 و2000 رطل في المناطق الصحراوية المفتوحة. ووفقاً لبعض التقارير قُتل عدة مئات من المقاتلين الحوثيين خلال الأسابيع الأربعة الماضية، معظمهم من الأطفال غير المدربين والمجندين الراشدين.
- القصف المساند لمأرب: شنّ الحوثيون عدداً من الهجمات الدقيقة بالصواريخ والطائرات المسيّرة داخل المدينة، أولها الضربة بالصواريخ الدقيقة في 18 كانون الثاني/يناير 2020 التي استهدفت مسجداً داخل مقر عسكري أثناء وقت الصلاة، مما أسفر عن مقتل العشرات من القادة والجنود. وأصبحت مأرب معرضة لمثل تلك الضربات منذ انسحاب الدفاعات الصاروخية الإماراتية والسعودية (حيث كان انسحاب السعودية في عام 2019، لحماية المملكة)، مع الإشارة إلى أن الطائرات المسيرة الحوثية تحلق باستمرار حول المدينة.
- الضربات ضد القواعد الجوية السعودية: بحلول نهاية عام 2019، انخفضت ضربات الحوثيين ضد المملكة بشكل كبير كجزء من جهود خفض التصعيد المدعومة من الأمم المتحدة. ومع ذلك، فقد تصاعدت مرة أخرى في كانون الثاني/يناير 2020 من خلال سلسلة من الهجمات بالصواريخ والطائرات بدون طيار على القواعد الجوية السعودية القريبة من الحدود (بلغ العدد الإجمالي للغارات 23 ضربة، مقارنة بـ 5-6 غارات شهرياً في أواخر عام 2019). وكان هدفها الظاهر هو إعاقة الدعم الجوي السعودي لمأرب وتشتيته، ولا يزال هذا النمط قائماً حتى اليوم – فقد تم توقيت تقدم الحوثيين حالياً ليتزامن مع الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة المكثفة على قاعدة الدعم الجوي السعودية الرئيسية في خميس مشيط وقواعد الطائرات بدون طيار والمروحيات في أبها وجيزان. وشن المتمردون 29 هجوماً مماثلاً في شباط/فبراير و 27 هجوماً في النصف الأول من آذار/مارس، مقارنةً بخمسة في كانون الثاني/يناير قبل بدء الهجوم الأخير.
الخيارات المستقبلية للولايات المتحدة
كانت الحكومة الأمريكية محقةً في إدانة الزحف الحوثي على مأرب لتهديده عملية السلام وتسريعه وتيرة الحرب. وكما ذكرنا آنفاً، أصبحت المدينة ضعيفة حين سُمح للحوثيين بإعادة نشر قواتهم تحت غطاء خفض التصعيد بوساطة الأمم المتحدة، وعندما استجابت الحكومة اليمنية لحالة الطوارئ الناتجة عن ذلك عبر تفعيل الجبهات الأخرى من أجل تخفيف الضغط عن مأرب (على سبيل المثال، العملية التي شُنّت في 10 آذار/مارس لرفع الحصار المستمر على تعز الذي دام أربع سنوات). كما يؤدي هجوم مأرب إلى تسريع ضربات الحوثيين على جنوب غرب السعودية، بما في ذلك الضربات ضد المطارات ذات الاستعمال المدني والعسكري. في المقابل، عمد السعوديون إلى قصف ورش تصنيع الصواريخ والطائرات المسيرة التابعة للحوثيين داخل ما يسمى بـ “مناطق خفض التصعيد” في صنعاء وغيرها. وفي الوقت نفسه، فإن الضعف المتصور لوضع الحكومة في مأرب قد يشجع المناورات الانفصالية في الجنوب والشرق، وقد يكون لذلك عواقب وخيمة على مساعي السلام الدبلوماسية وسلامة أراضي اليمن.
إن هذه الأزمة لم تتسارع بسبب القرار الذي اتخذته إدارة بايدن في 12 شباط/فبراير بشطب الجناح العسكري للحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية – فالهجوم على مأرب بدأ منذ عدة أشهر وخطى أكبر خطواته خلال عهد إدارة ترامب. ومع ذلك، من الواضح أن الحوثيين يحتقرون الإدارة الأمريكية الجديدة ويشعرون أنه ليس لديهم ما يخسرونه برفضهم لخطة السلام التي اقترحها المبعوث الأمريكي الخاص تيم ليندركينغ، ولا بمضاعفة الهجوم على مأرب وضربات الصواريخ/الطائرات بدون طيار على السعودية. يجب على واشنطن وشركائها تغيير هذا الانطباع – وقريباً، لأن المدينة قد تسقط بسهولة عندما يحدث “نبض” الهجوم الحوثي التالي، ربما في غضون ثلاثة أشهر.
ولن تكون الإدانة الكلامية كافية لردع الحوثيين، بل يجب أن تقترن الكلمات باحتمال ملموس بتكبد هزيمة عسكرية في مأرب وانتكاسات متعاقبة على الجبهات الأخرى. ووفقاً لذلك، يجب على الإدارة الأمريكية استخدام القنوات الأمريكية مع “المجلس الانتقالي الجنوبي” للتأكد من أن الانفصاليين لا يصرفون الانتباه عن جهود الدفاع عن مأرب من خلال اتخاذهم خطوات انتهازية في أماكن أخرى. على واشنطن وشركائها أيضاً تشجيع السعودية والإمارات سرّاً على إعادة إدخال عدد قليل من وحدات المدفعية المتوسطة بتكتّم – وتحديداً مدافع “هاوتزر” ذاتية الدفع عيار 155 ملم وطائرات المراقبة بدون طيار والدفاعات الجوية قصيرة المدى. وعلى الرغم من أن أياً من هذين البلدين لا يتوق إلى إعادة نشر قواته البرية، إلا أن نقل هذه الوحدات بين القواعد الصحراوية خارج مأرب قد يترك تأثيراً حاسماً على المعركة. ومن جانبها، يجب على واشنطن أن تفكر في تقديم معلومات استخباراتية تستهدف قادة الحوثيين المتواجدين في الخطوط الأمامية، وفي الحالات التي تعتبر فيها مثل هذه الضربات آمنة، وبذلك تصبح العناصر التي لا يستطيع الحوثيون استبدالها بسهولة أهدافاً في مرمى النيران.
المصدر: معهد واشنطنش