للوصول إلى محافظة الجوف، شمالي اليمن، عليك ان تسلك طريقاً صحراوياً متعرجاً وشاقاً وخالياً من مظاهر الحياة، إلا من بضعة سيارات بدأت تتدفق صوب “الحزم”، مركز المحافظة، بعد يوم واحد من تحريرها من قبضة الحوثيين. يمن مونيتور/ الجوف/ وحدة التقارير
للوصول إلى محافظة الجوف، شمالي اليمن، عليك ان تسلك طريقاً صحراوياً متعرجاً وشاقاً وخالياً من مظاهر الحياة، إلا من بضعة سيارات بدأت تتدفق صوب “الحزم”، مركز المحافظة، بعد يوم واحد من تحريرها من قبضة الحوثيين.
ثلاث سيارات تويوتا تمشي على مسافات متقاربة من بعضها، تحمل أعداداً من المهاجرين الاثيوبيين غير الشرعيين، الذين عادةً ما يصلون الجوف في الطريق إلى السعودية. يبدو أنه اليوم الأول الذي يستأنف فيه المهربون نشاطهم بعد أن توقف لأشهر بسبب الحرب الدائرة هنا.
عشرات الكيلوهات استطاع الجيش الوطني مسنوداً بمسلحي المقاومة الشعبية اجتيازها وصولاً إلى الحزم، وفي غضون ساعات كان رجال القبائل يطلقون الرصاص في الهواء ويلتقطون الصور أمام منازلهم التي نزحوا عنها منذ أشهر مضت، بعد معركة خاطفة وسريعة خاضوها ضد بقايا الحوثيين في المنطقة.
التفجير من أول يوم
تستقبلك “الحزم” ببيوتها الطينية ونزر يسير من منازل بنيت على الطراز الحديث، أحدها يتبع قيادياً في المقاومة الشعبية، لكن الدمار أتى على أجزاء كثيرة منه، قيل إن الحوثيين فجروا جزءاً منه، فيما استكملت طائرات التحالف الجزء الآخر حينما استهدفت مسلحين حوثيين كانوا يتحصنون بداخله.
بمجرد وصولنا إلى المنطقة، توافد إلينا بعض السكان ممن لم يغادروا منازلهم طيلة الفترة الماضية، لكنهم رووا قصصاً أشبه بالخيال، طيلة الستة أشهر الماضية.
يقول (ن.ج) وهو أحد سكان منطقة “محزام كعوات”، شرقي الحزم، ويسكن بالقرب من مقر حزب “التجمع اليمني للإصلاح” الذي فجره الحوثيون بالكامل، إن “مسلحي الحوثي طوقوا المكان في اليوم الأول ثم شرعوا في نهب ما بداخله من أجهزة وأثاث، بعدها أتوا ببراميل بيضاء اللون ومتوسطة الحجم معبأة بمواد متفجرة، بدأوا، بعد ذلك، في تشبيك أسلاك كهربائية ومدوها مسافة 300 متر تقريباً، فيما كان أحدهم ينتظر في دورية عسكرية تقف بعدياً وبيده جهاز يشبه ريمونت التلفاز”.
ويضيف، “بيتي قريب جداً من المقر (يشير بيده ناحية منزل بُني من الأشجار)، لكن الحوثيين حذروني أن أخرج منه، فانطلقت باتجاه المزرعة التي أعمل بها، وما إن وصلت حتى سمعت بانفجار عنيف هز المكان، لنكتشف بعدها أن مقر حزب “الإصلاح” قد أصبح أثراً بعد عين”.
يتابع، “كل هذه المنازل دخلوها وعبثوا بها، ونهبوا أثاثها، رأيت بعضهم يبيعها، تلفزيونات وأثاث واسطوانات غاز”.
عيشة ضنكا
ونحن نتجول في المنطقة، اومأ لنا رجل مسن يدعي “عبدالله بريد”، حضر ومعه أطفال يبدو أنهم من عائلته كما لو كانوا عادوا إلى الحياة بعد موات.
يسرد “بريد” معاناة سكان الحزم طيلة الستة الأشهر الماضية التي سيطر فيها مسلحو الحوثي على المنطقة، ونزحت معظم عائلاتها إلى الصحراء، “قضينا عيشة ضنكا طيلة الأشهر الماضية، لا تغذية ولا مشتقات نفطية، ولا أمن”.
يروي “بريد” قصصاً كثيرة لمدنيين أصيبوا جراء القصف، وآخرين بسبب طيران التحالف، بينهم أطفال ونساء، فيما عاش الباقون حياة الخوف والقلق، حتى أن الأطفال أصيبوا بالأمراض جراء الخوف واصوات الانفجارات التي باتت جزءاً من حياتهم اليومية إلى ما قبل أمس الأول الجمعة”.
تدمير المؤسسات التعليمية
في اليوم الأول لدخولهم مديرية الحزم، سارع مسلحو الحوثي إلى تفجير دار القرآن الكريم، وهي أولى المباني التي تستقبلك في الحزم، وتبدو آثار الدمار واضحة حتى للمارة عن بعد.
في رحلة استمرت لساعات رافقنا خلالها “خالد العكة”، وهو ناشط من أنباء الحزم، ومديراً لمؤسسة المعلم للتنمية، التي هي الأخرى اتخذها الحوثيون مقراً لمسلحيهم، واستهدفها الطيران بعد ذلك”.
والمؤسسة، حسب “عكة” تهتم المؤسسة بالنهوض بالجانب التعليمي والتنموي عموماً بالتنسيق مع الجهات الرسمية، وتعرضها للخراب يعني أن كثيراً من شباب الجوف سيخسر واحدة من أهم المؤسسات التنموية في المنطقة”.
يبدو “عكة” متفائلاً وهو يقول لمراسل “يمن مونيتور”، “نعتزم إعادة النشاط في مجال التعليم، والجانب الاغاثي كون العديد من الأسر تعرضت منازلها للتخريب، وهذا سيكون هو الهدف الرئيس لنا في الفترة القادمة”.
عودة النازحين
يبدو الحاج “محمد شافعة” قوياً اليوم أكثر من أي وقت مضى، وهو يتجول بسلاحه الشخصي في أحد مقرات المقاومة الشعبية بالحزم، كنا التقيناه أواخر أكتوبر الماضي، ضمن فريق إعلامي زار المنطقة آنذاك، وهو يسكن إ الخيام في صحراء مأرب المحاذية للجوف بعد أن نزحوا منها.
كان هو وشقيقه “مسفر” يتحدثان بلغة الواثق أن العودة ستكون قريبة، وكان رجال القبيلة الذين يتحلّقون أمامه يهزون رؤوسهم ولسان حالهم يقول، حقاً سنعود قريباً.
بدت الحزم يوم أمس السبت، بعد ساعات من استعادتها من قبضة الحوثيين، شبه خالية من السكان عدا بعض العائلات تعد بأصابع اليد، لكن كل من سألناهم هنا يبدون أملاً في عودة النازحين من قراهم قريباً، حالما تستقر الأوضاع وتتوفر الخدمات ولو في حدها الأدنى، فالاتصالات ضعيفة جداً، فيما تبدو أن العديد من أعمدة نقل الطاقة الكهربائية تعرضت للتدمير في الفترات الماضية.
وأمس الأول الجمعة، قال “حسين العواضي”، محافظة الجوف، إن الطريقة التي تهاوت بها قوات الحوثي في “الجوف” هي نتيجة حتمية للجرم الذي مارسته بحق المجتمع اليمني عامة، قتلا وتشريداً وحصارا.
وأضاف “العواضي” في حوار مع “يمن مونيتور” عبر الهاتف، “أن السلطة المحلية بالجوف تنسق مع الحكومة الشرعية والتحالف العربي من أجل إعادة البنية التحتية وايصال المواد التموينية والمشتقات النفطية إلى المحافظة والايفاء بالتزاماتنا تجاه المواطنين، كي نتحاشى ما حصل في المناطق المحررة من سلبيات في الإدارة”، لافتاً إلى أن “المليشيات عبثت بكل شيء في المحافظة، ونهبت حتى مجرد أثاث المكاتب الحكومية”. حد قوله