ارتبطت نشأة الدولة في اليمن بالنزول من الجبال إلى السفوح والوديان، فكان ظهورها في السهول الشرقية حول مفازة صيهد “سبأ – قتبان – معين – حضرموت “، لأنها كانت الأكثر قدرة على استيعاب الكثافة السكانية التي لا تسمح بها الجبال، وهناك نشأت المدن وأقيمت منشات الري والزراعة، وذلك استوجب ظهور الدولة وحضور سلطة تنظم حياة المجتمع وتدير مصالحه، وحين بدأت الأوضاع في اليمن تتخلخل، بفعل الصراعات الداخلية، والحملات الأجنبية، وغياب مؤسسات الدولة والحكومة التي ترعى وتحافظ على مصالح الناس، وتصد هجمات القوى البدوية الوافدة من الصحراء، بدأت الكتل البشرية تعود أدراجها نحو الجبال، بحثا عن الأمان حتى يتمكنوا من العودة مرة أخرى .
ارتبطت نشأة الدولة في اليمن بالنزول من الجبال إلى السفوح والوديان، فكان ظهورها في السهول الشرقية حول مفازة صيهد “سبأ – قتبان – معين – حضرموت “، لأنها كانت الأكثر قدرة على استيعاب الكثافة السكانية التي لا تسمح بها الجبال، وهناك نشأت المدن وأقيمت منشات الري والزراعة، وذلك استوجب ظهور الدولة وحضور سلطة تنظم حياة المجتمع وتدير مصالحه، وحين بدأت الأوضاع في اليمن تتخلخل، بفعل الصراعات الداخلية، والحملات الأجنبية، وغياب مؤسسات الدولة والحكومة التي ترعى وتحافظ على مصالح الناس، وتصد هجمات القوى البدوية الوافدة من الصحراء، بدأت الكتل البشرية تعود أدراجها نحو الجبال، بحثا عن الأمان حتى يتمكنوا من العودة مرة أخرى .
ومنذ أكثر من خمسة عشر قرن من الزمان كلما أوشك اليمنيون بالاطمئنان إلى الدولة، واقامة المدن في السهول داهمتهم الأحداث وارغمتهم على العودة للجبال، وإلى اليوم ما زال اليمنيون يبحثون عن الدولة التي تؤمنهم بالنزول مجدداً إلى السفوح .
إن الثقة بالدولة كانت قد بدأت بالتشكل رويداً بعد ثورة سبتمبر 1962م، وبدأت قطاعات من السكان في أعالي الشمال المشهورة بتماسكها القبلي، وأوضاعها المعيشية الصعبة بالنزول من قمم الجبال العصية نحو السفوح، والسكن في المدن، فتضاعفت – المدن – مرات عديدة خلال نصف قرن من عمر الجمهورية، وهذا أمر له أهميته التاريخية في تاريخ اليمن الحديث، ومن أهم نتائجه بداية الخروج من دائرة الولاءات الضيقة والمغلقة، إلى الدائرة الوطنية الأوسع، وأن عوامل بناء الدولة اليمنية والإيمان بها أصبحت تتغلب على ما عداها، لكن ما تلى ذلك في عهد صالح وما جرى أفقد الكثير من السكان ثقتهم بالدولة، بحيث تخلى النظام السياسي عن دوره في تأكيد حضور الدولة من خلال مؤسساتها المنوط بها حفظ النظام وتطبيق القانون في أغلب المدن، الأمر الذي دفع الناس للتعويض عن غيابها باللجؤ إلى وسائل العرف القبلي في حل خلافاتهم .
جاءت ثورة الشباب في فبراير 2011م لتعيد للناس الأمل والحلم بقيام الدولة المدنية، وتعيد الاعتبار للمناطق التي تركتها أنظمة الحكم السابقة لتناقضاتها الداخلية طيلة قرون عديدة، لكن ادارة الرئيس هادي دشنت مرحلة ضرب الثقة بثورة فبراير، وثقة المجتمع بالتغيير الذي صنعته جماهير الشعب في كافة مناطق اليمن، بحيث تركت قطاعات عريضة من السكان فريسة في قبضة مليشيات الحوثي وحليفه صالح الذي ما زال نفوذه باقيا بين أوساط قيادات عديدة في قطاعات الجيش .
لقد كانت قيادة الرئيس هادي السياسية تسعى إلى ضرب جميع القوى الموجودة على الساحة دونما تفريق، وذلك بهدف اضعافها وانهاكها، غير مدركة ولا مستوعبة أن الصعود السياسي لجماعة مسلحة لا يعد عامل توازن وانما عامل اختلال، ولا ادراك بأن هذه الجماعة لا تؤمن بالشراكة، إذ ترى أنها الأحق بالحكم، والأحق باستئثار المصالح والمنافع دون بقية المجتمع، ولذلك كانت النتيجة هي ما جرى ويجري في البلد منذ تنامت قوتها، ولم يصح الرئيس من الأوهام التي راودته لمد الجسور مع جماعة أنصار الله كحليف قادم إلى السلطة، إلا حينما وجد أفرادها المسلحين تطوق مسكنه وتحاصره، وحين أفلت منها طاردته بلا هوادة أو مواربة .
ما حصل في البلد منذ 2014 حتى الآن من تهجير جماعات سكانية من مناطقها، ونزوح قطاعات من ابناء المدن إلى الريف بسبب غياب الدولة، والهروب من معاناة الحرب وكوارثها سيعمل على عودتها إلى حصونها العتية، وتكبد مشقات المعيشة على احتمال حياة التشرد والضياع في خيام النازحين، وكل ذلك يعمل على عودة التلاحمات القبلية والتضامنات المناطقية، وهذا بدوره يعمل على مضاعفة تكاليف بناء الدولة، بل والأخطر أنه قد يعمل على اسقاط فكرة الدولة ذهنيا بعد الذي جرى ويجري في البلد .
ورغم كل ذلك فما زالت مقاومة المليشيات في المدن مثل عدن وتعز، والسهول الشرقية الوسيعة، في مأرب والجوف وشبوة، ذات التاريخ الحضاري الباذخ، والثروات المعدنية، والأرض الخيرة، هي رجاء اليمنيين جميعا، فانتصارها انتصار لعوامل بناء الدولة، وتوسيع رقعة المدنية، وحضور النظام والقانون، وصهر المجتمع واذابة الفوارق والتناقضات التي عززتها أنظمة العبث والانحطاط، فما يجري الآن في اليمن هو صراع الدولة واللادولة، صراع بين التشتت والتناثر الذي أضاع البلاد قرونا عديدة، وبين الاتحاد والتكامل الذي يرتجى منه عودة الحلم اليمني مجددا.