مأساة النزوح في اليمن
النزوح في اليمن روايةٌ لم تكتمل فصولها بعد، وخريفُ حربٍ أزال الكثير من الاخضرار الذي كان يعيشه الناس قبل مجيء هذه الحرب اللعينة، النزوح في اليمن والنازحون قصةُ حزنٍ فصولها كبيرة وأحداثها مأساوية تدمي القلوب ويندى لها الجبين.
معاناة للحصول على مأوى ومعاناة أكبر للحصول على الزاد الزهيد لهذا النازح الذي الذي أصبح يعاني المرارة كلها منذ أن فارق بيته إلى مكان بعيد.
يزداد عدد النازحين في اليمن جراء الحرب في كل يوم ويرتفع عددهم خلال الساعات القليلة، فويلات النزوح كثيرة والنازحون كثيرون أيضًا في هذا البلد الذي يعيش أسوأ أزمة إنسانية حول العالم الذي يحتاج أكثر من 80% من سكانه إلى شكل من أشكال المساعدة، ويواجه 20 مليون شخص فيه انعدام الأمن الغذائي ويحتاج 14 مليوناً إلى تدخل إنساني عاجل.
وعلى الرغم من هذا تتوالى هجمات مليشات الحوثي على المدنيين في أحيائهم السكنية التي يعيشون فيها منذ الصغر لتزيد من هذه الأزمة وتزيد إلى جانب انعدام الأمن الغذائي انعداما في الأمن والاستقرار، ولهذا يضطر المواطنون للنزوح إلى أماكن أقل ضررًا من التي كانوا فيها، وقد تكون أكثر عناء من تلك الأماكن التي ينزحون منها، ففي تلك التي ألفوها تهدد حياتهم أفواه البنادق والقذائف والصواريخ تطلقها المليشات كلما شعرت بالهزيمة، وفي تلك التي ينزحون إليها يهدد حياتهم الفقر والجوع، الحر الشديد والبرد القارس، الرياح العاتية التي تعصف بمخيماتهم المترهلة فتحليها إلى ركام، تهدد حياتهم الأمراض والأوبئة التي لا شك ستفتك بهم؛ لأنهم ينزحون إلى أماكن بعيدة عن المرافق الصحية، يهدد حياتهم الخوف الكبير من الفقدان، فهم الذين قد فقدوا كل ما يملكون ولم يبق لهم شيء سوى الأرواح التي يحملونها ولكم يخشون فقدها، لكنهم على الرغم من ذلك يخرجون من بيوتهم مكرهين تاركين وراءهم كل ما يمتلكون، لا يهمهم سوى النجاة لأرواحهم وأرواح من يعولونهم من الأطفال والنساء العاجزين عن حمل الصعاب.
وإن منهم من ينزح ولا يدري مصير بقية أسرته كيف هو وكيف سيكون، هل باتوا تحت الأنقاض أم أنهم يتخبطون في البحث عن نجاة، فللقذائف والصواريخ_ التي تصل إلى بيوت العزل وتهدمها دون رعاية من فيها_ حكم تصدره على المواطنين لا فكاك منه حكم بالهروب لأجل النجاة.
ويظل النزوح في بلادي جرحًا يزداد اتساعًا وعمقًا كلما مرت السنوات مع اتساع رقعة الحرب وارتفاع الأسعار التي تقف عائقًا كبيرًا أمام النازحين دون حصولهم على لقمة العيش، فهم لم يأمنوا على أنفسهم البقاء على قيد الحياة حتى وإن نزحوا في ظل هذه الأوجاع التي تلاحقهم كشبح مستبد بهم مع تدهور الحياة المعيشية.