قررت الرياض هذه المرة أن تتزعم الجبهة الإسلامية لمحاربة تنظيمي “الدولة الإسلامية” و”القاعدة” أو الجماعات التي تهدد الأنظمة الوطنية بعد أن أصبح هذا الملف مؤرقا للجميع دون استثناء. قررت الرياض هذه المرة أن تتزعم الجبهة الإسلامية لمحاربة تنظيمي “الدولة الإسلامية” و”القاعدة” أو الجماعات التي تهدد الأنظمة الوطنية بعد أن أصبح هذا الملف مؤرقا للجميع دون استثناء.
هذا التحول الديناميكي من الرياض في التعامل عسكرياً مع الملفات الدولية سابق من نوعه بعد أن ظلت المملكة تعمل في الظل ودفع الآخرين للواجهة، وهو أمر له صله بشكل أساسي بالصعود المتسارع لتنظيم الدولة والتسابق على تزعم محاربة هذا الملف الذي يأخذ جلبة في التأييد الاقليمي والدولي.
صُعود تنظيم الدولة عقب الثورة السورية 2011م وسيطرته على ثلثي العراق ومناطق واسعة في سوريا مثّل هاجساً للجميع بفعل سياسية الانكفاء الدولي والاقليمي تجاه جرائم نظام الأسد، فتصدر تنظيم الدولة الواجهة بعد فراغ مأساوي خلفه هواجس دول المنطقة و”نذالة” أمريكا.
بعد أن ضرب مسلحو “تنظيم الدولة” في عظم بشار الأسد تدخلت إيران بفيالقها، وقالت إن النظام السوري خط أحمر..، وقال “نصر الله” لولا إيران وحزب الله لكان “الدولة” قد التهم بلاد الشام.
تصدرت إيران، بنظر أمريكا، الحرب على “الارهاب”، وابتسمت بلؤم باعتبار أن طهران حليف جديد، أما الرياض فهي “تعاني من إرهاب داخلي” حسب وصف الرئيس الأمريكي أوباما.
صعَّدت إيران من خطابها تحت ذريعة الحرب على “داعش”، ووسَّعت رقعت تدخلاتها العسكرية في سوريا والعراق، وبانتشاء بتصدرها لهذه الحرب توجهت للتحريض على المملكة، وبشكل رسمي في الإعلام، وكأن من يقود هذه الحرب على الجميع أن يسكت فهي حرب مقدسة وله أن يبتز من يشاء أو يتهمه.
وفي وقت كانت المملكة مشغولة بشكل أساسي بالحرب الحوثيين في عملية عاصفة الحزم، لم يكن هناك أي موقف واضح تجاه سوريا، فقط ترك المجال لتنقلات قاسم سليماني ما بين العراق وسوريا، وفي أقصى شمال الخارطة كانت روسيا تـُفكر، أيضا، باستعراض قوتها العسكرية تحت مسمى محاربة “الدولة الاسلامية”.
فراغ في سوريا أشبه بالفراغ الذي تركته الدول العربية في العراق عقب الاحتلال الأمريكي في مارس2003م حين تُركت بغداد للشيعة، لكن اليوم أصبح محيط دول الخليج الجغرافي مُلغَّم إما بمليشيات شيعية أو تنظيمات جهادية، حتى جاء الوقت الذي تقرر فيه الرياض عن التحالف الاسلامي لأبعاد كثيرة.
وإن كان قرار السعودية بعاصفة الحزم التي انطلقت نهاية مارس الماضي قلًّمت أظافر إيران في اليمن، و”أسقطت تجربة خمينية” حسب توصيف وزير الخارجية السابق “رياض ياسين”، فإن إعلان التحالف الاسلامي “ضربة معلم” فعلاً.
أسباب عديدة جعلت المملكة تقرر إعلان هذا التحالف الإسلامي، أهمها:
* التهديد العملي الذي يقوم به تنظيم الدولة وتوسعه المتسارع على الأرض، فهو لم يقتصر على التهديد الأمني فحسب، بل في التمدد، والسيطرة، وإقامة الدولة وهو ما يهدد الأنظمة الوطنية، ولو اقتصر بقاؤه في العراق لقامت بعض الدول حسب ما قال الكاتب “عبدالرحمن الراشد” بالتعاطي مع “داعش” لكي تسلم شره.
* وضع حد لذرائع طهران وتدخلاتها في المنطقة وبلاد الشام، وبعض الاتهامات الأمريكية وابتزازها، لاسيما عقب عاصفة الحزم في اليمن، على اعتبار أنها أعطت فرصة لتنامي تنظيمي “الدولة” و”القاعدة” في اليمن.
*أغلب الدول في العالم ضمن شراكة الحرب على الإرهاب التي تزعمتها أمريكا عقب أحدث 11 سبتمبر، ولا تزال الحرب جارية حتى اللحظة وبالتنسيق مع الدول العربية لكن السعودية قررت إنشاء التحالف الاسلامي حتى تستعيد زمام المبادرة وقيادتها للدول الاسلامية في إطار التنافس فيما بينها وإيران على الصدارة.
وعلى الرغم من التفاف أكثر من 34 دولة إسلامية حول تحالف الرياض الاسلامي أهمها تركيا وباكستان فإنه يُشكل رمزية تحالف جديد أكثر من حصره بملف الحرب على “تنظيم الدولة”، لأن التحالف الاسلامي حتى اللحظة ليس له غرفة عمليات مشتركة ولا نقاط عملية على المدى القريب.
لكن، وفي حال انطلق التحالف الاسلامي تقف أمامه عدة تحديات، وهي أن الحرب العسكرية لا يمكن أن تقضي على “الدولة والقاعدة” وأنصارهما، فالحرب الوجودية لا تعني القضاء على الفكر واقتلاع جذور عقيدة التنظيمين.
عادل الجبير وزير الخارجية قال في مؤتمر صحفي من باريس إن التحالف الاسلامي سيعمل للقضاء على فكر وعقيدة “الإرهاب”، بمعنى أن المعركة تتطلب من التحالف الاسلامي تفكيك الاستدلالات التي تتمترس خلفها الجماعات الجهادية وإعادة تحرير مفهوم الجهاد، وفقا للنص الشرعي وليس للموقف السياسي لتك الدول، حتى لا يكون الخطاب الاسلامي محصورا إما في تنظيرات الجماعات الجهادية أو بين توجيهات “علماء السلطة”.
يتطلب، أيضا، من تحالف الرياض الاسلامي إعادة النظر في التأييد أو السكوت عن الأنظمة التي تشكل بيئة خصبة لتنامي التنظيمات الجهادية، فالأنظمة القمعية مثل حكومة العراق وبشار ومصر السيسي وبقاء جرائم الحوثيين في اليمن أهم العوامل في تصدر تلك الجماعات باسم مناهضة الطغاة أو دفاع عن السنة.