هل تريد أن تعرف كيف يفاوض الحوثيون في سويسرا؟تخيل نفسك الآن في أحد الأسواق الشعبية وأمامك بائع وزبون يتراجلان(يتفاوضان)على سعر السلعة وبعد أخذ ورد طويل أوشكا على الاتفاق على السعر,وفجأه يتعذر الزبون بنقص المبلغ الموجود معه ويعد بالعودة اليوم الثاني وبحوزته النقود الكافية. هل تريد أن تعرف كيف يفاوض الحوثيون في سويسرا؟تخيل نفسك الآن في أحد الأسواق الشعبية وأمامك بائع وزبون يتراجلان(يتفاوضان)على سعر السلعة وبعد أخذ ورد طويل أوشكا على الاتفاق على السعر,وفجأه يتعذر الزبون بنقص المبلغ الموجود معه ويعد بالعودة اليوم الثاني وبحوزته النقود الكافية.
في اليوم الثاني عاد المشتري للسوق حيث ينتظره البائع ليسلمه السلعة بعد دفع كامل قيمتها كما وعده بالأمس,لكنه تفاجئ أن المشتري لديه أعذار جديدة لم تكن موجودة من قبل وتخالف ما اتفقا عليه,بعد اشتراط جديد بتخفيض في السعر وإلا سيبحث له عن(خراجه)بديل آخر.
يبدو أنك أيها القارئ الكريم مللت وضبحت من هذا المشهد الفوضوي واللف والدوران والاتفاق والانقلاب وقررت أن تغادر السوق(المفترض),ولا تعرف ماذا حصل بين الرجلين بعد ذلك.
اضطريت للبداية بهذا المشهد الخيالي لأحاول تقريب الصورة كيف يفاوض الحوثيون واربطها بواقعنا في الأسواق الشعبية الذي يحفل بتجارب مشابهه لمشهد المراجلة وقطع الوعد ونقضه,وكيف يدفع الزبون وأسلوبه في(الكراظ)بالصنعاني البائع لمخاطبته غاضبا منه:اجزع أنت مش حق شراء,أي أنت مش حق حوار جاد.
يمكن القول أن المشتري أو الزبون هو وفد الحوثيين وحلفائهم في اللف والدوران و(اللغاجة بالصنعاني),والبائع وفد الحكومة الشرعية والقارئ الذي اشكرناه في المشهد التمثيلي المستوحى من الواقع هو المبعوث الأممي وإن لم يطفش ويترك المحادثات كما حرصنا هنا على راحة القارئ بإبعاده عن المشهد الفوضوي.
وعموما ما أردت قوله مما سبق هو تقريب الصورة ليس أكثر,وإلا فالوفدين بالمباحثات بمقام واحد من حيث مستوى التمثيل(يتألف كل فريق من 7 مفاوضين و 5 مستشارين),ووقت الحديث وحق الإقامة والتعامل الأممي,على أن الفارق الوحيد هو توصيفي ومن يتفق معي للوفدين بين وفد يمثل الشرعية وآخر الانقلاب.
وعليه نتحدث الآن عن مباحثات اليومين الماضيين من مؤتمر”جنيف2″,والاسم يشير فقط إلى الترتيب في العدد من المؤتمرات حيث عقد الأول منتصف يونيو في مدينة جنيف وفشل,بينما يُعقد هذا الثاني في بيال وكلا المدينتين سويسريتين.
دار النقاش حول ما يُعرف بجدول أعمال المباحثات بـ”إجراءات بناء الثقة والمنافع الفورية للشعب اليمني”,وهي الإفراج عن المختطفين وليس المعتقلين كما ورد بالجدول ورفع الحصار وفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات.
في اليوم الأول استأثر موضوع المختطفين لدى الانقلابيين على المباحثات وانتهى بطلبهم منحهم مهلة لليوم التالي للتواصل مع قياداتهم بالداخل لاتخاذ موقف حول هذا الموضوع,مع العلم أن أحد بنود جدول الأعمال ينص على” يجب أن يتمتع الوفد بكامل الصلاحية للتفاوض على اتفاقات ملزمة”.
أي أن كل وفد يملك حق التفويض المسبق ممن يمثلهم في الموافقة على أي موضوع أو قضية يتم حسمها وصولا للاتفاق العام لاحقا,وهذا ما لم يلتزم به الحوثيون الذين خرقوا جدول الأعمال مثلما خرقوا هدنة وقف إطلاق النار بالداخل,ثم يسبقون الجميع بالشكوى والصراخ وإلقاء اللائمة على الطرف الآخر.
يعني من أول يوم مراوغة ومراجلة ومحاولة للتنصل وكسب الوقت وانتزاع مكاسب ورفع السقف عاليا قبل الدخول في القضايا الأكثر تعقيدا والتي تحتاج لجنيفات كثيرة لحسمها إن كان هناك اتفاق أصلا وإلا الواقع يشير إلى أنه إما سيكون بعيدا أو لن يكون لأن الكلمة قد تكون للسلاح.
ما شي الحال للغد وبعدهم واحنا مو علينا قد جئنا للتفاوض وإن هي إلا أيام سبعة,كأن لسان وفد الشرعية يقول كهذا,وفي اليوم التالي بدلا من الوفاء بما طلبوا تأجيله وحسمه يعيدون الأمور كرة أخرى وهات”عك ودويم”,واشتراط الموافقة على الإفراج عن المختطفين مقابل الإعلان أولا عن وقف دائم لإطلاق النار.
وهنا نتوقف بمحطة قرار مجلس الأمن(2216)أحد مرجعيات التسوية والتزامات الانقلابيين الدولية والذي ينص في أحد بنوده على” الإفراج بأمان عن اللواء محمود الصبيحي، وزير الدفاع في اليمن، وعن جميع السجناء السياسيين، وجميع الأشخاص الموضوعين رهن الإقامة الجبرية أو المحتجزين تعسفيا”.
أي أن الإفراج عنهم يُفترض أنه قد تم بعد صدور القرار في منتصف أبريل الماضي,باعتباره يحمل الصفة الإلزامية للتنفيذ ودون أي قيد أو شرط,لكن الانقلابيين بدلا من ذلك يريدوا التحايل عليه هكذا”عيني عينك”,وبحضور ولد الشيخ وبدون”حياء أو خجل”,ويصرون على تسميه جديدة للمختطفين(يسمّيهم القرار المعتقلين والمحتجزين تعسفيا),تجعلهم بمثابة أسرى الحرب.
وهنا نسأل ماذا يريد الحوثيون من هذه التسمية؟والجواب ما يلي:
أولا يثبتون عدم جديتهم بالحل السياسي وأن هدفهم”المراجلة”,لشراء الوقت,وليس حق حوار.
ثانيا يحاولون تحقيق ما عجزوا عنه عسكريا فيما يتعلق بالإفراج عن أسراهم المقاتلين وخاصة القيادات الهاشمية بمقايضتهم بإطلاق سراح المختطفين بسجونهم ظلما الذين يريدون تحويلهم إلى أسرى حرب وهم ليسوا مقاتلين وإنما مختطفين جرى اختطافهم من منازلهم ومقر أعمالهم باستثناء وزير الدفاع وفيصل رجب وشقيق الرئيس الذين يمكن أن ينطبق عليهم توصيف أسرى حرب.
ثالثا يحاولون رفع السقف بالتشدد من البداية كي لا يقدموا أي تنازل إلا بصعوبة وبعد جهد وتعب وبمقابل مكاسب سياسية وقبل النقاش في القضايا الشائكة والمختلف حولها بعمق.
وللتوضيح القانوني ينبغي أن نعرف أن المختطفين أو المخفيين قسريا ليسوا حتى معتقلين على اعتبار أن الجهة التي تسجنهم غير شرعية,وبالتالي فمن اختطفهم معاقب وفق القانون والإفراج عنهم لا تحتاج نقاش كونهم أبرياء ولم يرتكبوا جرما.
في المقابل يُعرف أسير الحرب أو سجين الحرب بأنه”شخص سواء كان مقاتلاً أو غير مقاتل، تم احتجازه من قبل قوى معادية له خلال أو بعد النزاع المسلح مباشرة”,ويمكن أن يُفرج عنه ضمن صفقة تبادل بين طرفي الحرب.
لكن ما دور الوسيط ولد الشيخ وماذا فعل؟اقترح صيغة تتضمن قيام الانقلابيين بالإفراج عن المختطفين على شكل دفعات وربط هذا ببحث مسألة توسيع وقف إطلاق النار من مؤقت حاليا إلى دائم,لكنهم رفضوا واشترطوا إعلان دائم قبل الإفراج عن المختطفين.
ويبلغ عدد المختطفين 2500 شخص,بحسب تقرير حديث للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ومقره(جنيف)، والتحالف اليمني لحقوق الإنسان الذي يضم مائة منظمة حقوقية وإنسانية يمنية.
يومان انقضيا من عمر”جنيف2″,المحدد أمميا بأسبوع,ولم يتم تجاوز مسألة الإفراج عن المختطفين واحتمال تنقضي كل المدة دون انجاز,وهذه ليست دعوة للتشاؤم أو الإحباط وإنما توصيف لواقع ومن به طافه ينتظر ويصبر لنهاية الأسبوع,فندعو له ولنا بفرحة اتفاق ينتصر للدولة والسلام.