بذلت منظمة الأمم المتحدة جهودا كبيرة لجمع أربعة وعشرين يمنيا هم أعضاء وفد الحكومة اليمنية الشرعية والمتمردون محمد الحميري
بذلت منظمة الأمم المتحدة جهودا كبيرة لجمع أربعة وعشرين يمنيا هم أعضاء وفد الحكومة اليمنية الشرعية والمتمردون الحوثيون وشركاؤهم في مكان بسويسرا بهدف إيجاد حل دائم للأزمة بعد نحو تسعة أشهر من الحرب بدت فيها الأمم المتحدة طرفا غير محايد تماما، إذا لم ير اليمنيون المكلومون حركة المبعوث الأممي حينما يُقصَف المدنيون بصواريخ الكاتيوشا والتوشكا وحينما يفرض الحوثيون وقوات الرئيس المخلوع حصارا خانقا على مدينة تعز ، بينما يقرأون أخبار زيارات مكوكية يقوم بها إسماعيل ولد الشيخ أحمد في كل مكان مؤثر أو غير مؤثر عندما تتقدم المقاومة الشعبية والجيش الوطني وتكبد القوى الانقلابية خسائر مادية وبشرية وتسيطر على مدن ومواقع استراتيجية بهدف استعادة الدولة ومؤسساتها، الأمر الذي يعكس موقفا وسياسات غير بريئة لا تحترم أبسط قواعد القانون الدولي الإنساني الذي يفرض على المجتمع الدولي التحرك بصرامة لإلزام أطراف الحروب بمبادئ حماية المدنيين ، ناهيك عن أن الطرف المتمرد في اليمن صدرت بحقه قرارات مجلس الأمن الدولي وأبرزها 2216 تحت الفصل السابع وما أدراك ما إجراءاته الصارمة .
يتلاعب الحوثيون وشريكهم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح كعادتهم بكل المبادرات والجهود الأممية والدولية وحتى مبادرات الحكومة الشرعية لبناء الثقة، فلم تكد تمر دقائق من إعلان التزامهم بوقف إطلاق النار قبل يوم من انطلاق مشاورات سويسرا حتى أرعبوا المدنيين بقصف عنيف على مدينة تعز ، ولم تكد تمر دقائق على إعلان الرئيس هادي وقوات التحالف هدنة في منتصف يوم انطلاق المشاورات حتى سارع الحوثيون إلى خرقها وأمطروا مدينة تعز وما جاورها بقذائف المدافع والصواريخ، بينما لم تبد الأمم المتحدة أي موقف حازم بل سارعت إلى حث الأطراف اليمنية على احترام تعهداتها من أجل التوصل إلى وقف دائم وشامل لإطلاق النار، والسعي إلى تحسين الوضع الإنساني، والعودة إلى انتقال سياسي سلمي ومنظم.
الأسئلة الحائرة التي تنتظر من الأشهر القادمة الإجابة عنها تتمثل في : هل ستفلح مشاورات سويسرا في العودة إلى انتقال سياسي سلمي وبأي أدوات ؟ هل بأدوات الدولة العميقة للرئيس المخلوع أم بأدوات الرئيس الشرعي الحالي ذي الخلفية الشافعية وما أدراك ما دلالاتها لدى معسكر شمال الشمال؟ هل سيلتزم الحوثيون وشريكهم بالاتفاقيات الموقعة في ظل دولة مبعثرة وهم الذين داسوا على كل الاتفاقيات أثناء تماسك الدولة ومؤسساتها ووجود شبه جيش وشبه قوات أمن، فكيف سيكون سلوكهم التدميري بعد أن حولوا المؤسسات العسكرية والأمنية إلى مليشيا ؟ كيف سيتعامل التحالف العربي بعد فشل مشاورات جنيف 2 ؟ هل ستظل بعض أطراف هذا التحالف تضع رجلا في أراضي الشرعية والأخرى في أراضي المتمردين رغبة في بقاء تأثير علي صالح والمؤتمر الشعبي العام في الحياة السياسية وسد أي فتحة يتسلل منها الأكسجين والضوء أمام تيار الإسلام السياسي المعتدل ؟ وهل فشل التحالف العربي رغم كل عتاده المتطور وإمكانياته الاستخبارية والمالية الكبيرة جدا في فرض واقع ميداني يدفع الحوثيين وشريكهم إلى رفع الراية البيضاء والدخول في أي حوارات لا تستند على تأثيرهم العسكري على الأرض بل على قاعدة عدم إقصاء أي طرف في الحياة السياسية اليمنية بعد أن تُعرض كل جرائمه بحق الإنسانية على قانون العدالة الانتقالية ؟
الحكومة اليمنية قالت إنها ذهبت إلى مشاورات سويسرا لكف أيدي الحوثيين عن سفك دماء الشعب رغم أصوات المقاومة الشعبية في تعز ومأرب والجوف الرافضة لأي مفاوضات عبثية مع الانقلابيين ووافقها في ذلك كثير من المتابعين لتطورات الشأن اليمني الذين يرون أن سلوك الحوثيين وشريكهم لا يستند لأي مصلحة وطنية بل يسعون لفرض واقع يتسق مع تطلعاتهم الطائفية والمذهبية والاقتصادية ولو تحقق ذلك بعد إبادة جزء كبير من الشعب ، والمشكلة الكبيرة أن هناك توجها من جهات إقليمية لإضعاف موقف السلطة الشرعية وتضخيم خطر الجماعات المتطرفة بغية جعل الحوثيين جزءا من الحل قبل أن يستسلموا لقوات الشرعية ، وإيجاد مخرج مناسب لبقاء كتل الشر التي زرعها الرئيس المخلوع في جسم الدولة المنهارة . ولذلك فإن هذه المفاوضات ستفشل كما فشلت سابقاتها إلا إذا حدثت معجزة تغير موازين المتربصين بمصائر الشعوب ، ورغم أنني من الذين يحرصون دائما على إشاعة الأمل والأمنيات الوردية إلا أن الواقع يقول :إذا فشلت هذه المفاوضات فلن يبقى أمام المقاومة الشعبية والجيش الوطني إلا مواصلة استعادة الدولة بالإمكانيات المتوفرة، أما قوات التحالف العربي فأعتقد أنها لم تذهب للنزهة فإما أن تحقق ما أعلنت عنه وإما أن تعود بخفي حنين لكن ساعتها ستتغير موازين القوى وربما نرى واقعا آخر غير الذي تفرضه هذا القوات برا وبحرا وجوا وربما يصبح بلح الشام وعنب اليمن في الطعم سواء .
المصدر: الشرق القطرية