لا يوجد طرف غير يمني، إقليمياً كان أو دولياً يرغب في استمرار القتال في اليمن، السعودية تريده يمناً مستقراً آمناً مزدهراً، يحكمه اليمنيون لا الأجندات والمصالح الخارجية الإيرانية، ولا يمكن للسعودية أن تنظر لما يحدث في اليمن من انقلاب الحوثيين وتسليحهم وتهديدهم لأمنها، بمعزل عن ما حدث في البحرين 2011، أو ما حدث في مصر لاحقاً عبر مشاريع الإخوان.
لكن إيران أيضاً تريد حلاً سياسياً، يعترف بالحوثيين حكاماً لليمن، إن لم يكن بكامل ترابه فأقله بشماله، ويمنحهم الشرعية الدولية التي كان آخر أوراق توتها علي عبدالله صالح، وربما هذا الطموح يكون منطلقه قرار إدارة بايدن برفع الحوثيين من القائمة السوداء للإرهاب، وهو ما ردت عليه المليشيا بالمسيرات والصواريخ والترحاب.
كما يجب من باب الموضوعية إدراك أن الحوثيين لم يجدوا من إدارة ترمب التي تأخرت في وضعهم على قائمة الإرهاب، أي جدية في الضغط عليهم، حتى في ملف ناقلة صافر أو الألغام البحرية، ولم تأخذ الإدارة آنذاك أي خطوات ردع لاستهداف المليشيا لناقلات النفط، وربما كانت معركة ترمب أكبر في جغرافيا العراق.
الإدارة الأمريكية الجديدة أعلنت عدة مرات خلال شهرها الأول أن ملف اليمن يحتل أولوية قصوى، وبالتالي تسعى هي أيضاً لحل سياسي، في أغسطس من العام 2016، كانت آخر مبادرة من الديموقراطيين للحل السياسي في اليمن.
حينها قال جون كيري: «الخطة الجديدة للتسوية في البلاد تقضي بسحب الحوثيين لأسلحتهم من العاصمة صنعاء»، وأضاف وزير الخارجية الأمريكي آنذاك أن خطة الحل الجديدة في اليمن تشمل تشكيل حكومة وحدة وطنية، مؤكداً أن الاتفاق الجديد حول حل الأزمة اليمنية يمنح الحوثيين فرصة المشاركة في حكم البلاد، مشدداً في الوقت نفسه على أنهم يشكلون «أقلية» في اليمن.
ومن نافلة القول إنه بعد أكثر من أربع سنوات لا انسحب الحوثيون من صنعاء ولا اقتنعوا بأنهم أقلية، أو لنضع الأمور في نصابها، لم تعتقد إيران أنها مضطرة لتقديم هذا التنازل لإدارة أوباما آنذاك، ولا لجون كيري نفسه رغم ما قدمته تلك الإدارة، فلماذا تقدم تنازلاً شبيهاً اليوم ؟
في العام نفسه، 2016، حين كانت الانتخابات محتدمة ما بين هيلاري كلينتون ودونالد ترمب، تعامل الإيرانيون مع سوريا بذهنية تغيير الوضع على الأرض قبل حسم الانتخابات، مما يعني تعزيز المكاسب العسكرية، لتكون بوابة لتعزيز المكاسب السياسية، هذه ذهنية الابتزاز الإيرانية التي أدارت الملف السوري واليوم تتحرك بنفس النسق في اليمن.
تكثيف استهداف السعودية ووضع ثقل كبير في معركة مأرب، هو أيضاً تصعيد عسكري لتحقيق مكاسب سياسية تفوق التمثيل الحقيقي للحوثيين كأقلية، مأرب مهمة على مستوى النفط والغاز، كما أنها محاذية للمملكة، وتحتضن أكثر من مليوني نازح من مناطق أخرى هروباً من الحوثيين، كما أن فكرة سيطرة الحوثيين على مأرب تعني شد عصب الطائفية بين الفريقين.
الحوثيون حاولوا استهداف الحكومة اليمنية في عدن، على أمل أن لا تتحد الشرعية والقوى الجنوبية كما نص اتفاق الرياض، لأن توحيد البندقية ودحر الحوثي غرب مأرب، والعودة إلى خطوط اشتباك شرق العاصمة صنعاء، وفي الغرب على محور الحديدة، هو الكفيل بضبط الواقع على الأرض، وربما تحقيق أرضية لحل سياسي يمني.
*نشر أولاً في صحيفة عكاظ