ذكرنا في مقال الأسبوع الماضي أن جميع الصور التي أذن فيها الإسلام بالقتال خاضعة لشروط لا بد من توفرها؛ حتى لا يتحول الأمر إلى فوضى، ويدعي كل مشاغب أو صاحب هوى أنه يقاتل لتطبيق أمر الله في محاربة المفسدين ودفع الظالمين، وألمحنا إلى أن كثيراً من المفسدين الطغاة يتخذ شعار مقاومة الظلم والفساد وسيلة لبغيهم وطغيانهم. ذكرنا في مقال الأسبوع الماضي أن جميع الصور التي أذن فيها الإسلام بالقتال خاضعة لشروط لا بد من توفرها؛ حتى لا يتحول الأمر إلى فوضى، ويدعي كل مشاغب أو صاحب هوى أنه يقاتل لتطبيق أمر الله في محاربة المفسدين ودفع الظالمين، وألمحنا إلى أن كثيراً من المفسدين الطغاة يتخذ شعار مقاومة الظلم والفساد وسيلة لبغيهم وطغيانهم، لذلك لا بد أن يكون القتال تحت راية تنطلق من رؤية واضحة مُعلنة تستند إلى أصل شرعي وقانوني صحيح، ومن ذلك:
1 ـ أن يكون أي قتال وفق منهج أخلاقي وقانوني محكم، قائماً على: التثبت في الحكم، والدقة في تقييم الأوضاع، وترتيب الأولويات، من منطلق إنساني وشرعي، كالنصيحة، والحوار، والتخويف، واستخدام سائر وسائل الضغط التي يمكن أن تتفادى القتال، وهو ما أشار القرآن إليه بقوله عن المحاربي المسلمين: ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ [النساء/90].
ولا يجوز القتال إلا بَعد دراسة الخيارات المتاحة، وتقديم الأنسب فالأنسب، كل ذلك في ضوء فتوى شرعية، قائمة على دليل صحيح صريح، ومستكملة جميع الأوليات اللازمة المتعلقة بفقه النص وفهم الواقع، يمكن اتخاذ القرار المناسب.
2 – أن يتم اختيار أدوات القتال التي لا تتعدى جناياتها فتصيب غير المقصود المستحق وبالقدر المشروع الذي لا يبلغ دائرة العدوان، كتلف الأموال وإرعاب الأبرياء وتضرر مصالح الناس، كاستخدام المدافع والدبابات والطائرات والصواريخ وتفخيخ المباني والطرقات، وكل ما من شأنه أن يحدث دماراً ويلحق الأذى بالأبرياء.
ولا يبرر ذلك دعوى الضرورة ولا تحكم الظروف، الا ترى أن الله تعالى حال بين المسلمين بقيادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يهاجموا المشركين في مكة مخافة أن يتعرض للأذى أناس أبرياء مختلطين مع العدو لا يمكن تمييزهم، فقال: ﴿ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾[الفتح/25]. وعلى هذا يكون من العدوان المحرم قصف المدن والقرى وهدم البيوت وتدمير المصانع والمزارع، وكذلك استخدام السلاح الثقيل مع إمكانية استخدام السلاح الخفيف، فليتقي الله من يقاتل فإنه ليس في نزهة.
3 – يكون القتال آخر الخيارات وأسواءها، بعد أن تستنفد جميع الوسائل السلمية، ويتم التضحية بتقديم التنازلات المُرة تفادياً لسفك الدماء، وليس لاحد أن يتلكأ في قبول السلم بحجة أنه لا يثق بالطرف الآخر فالله تعالى يقول لنبيه وهو في مواجهة الكفار الذين يكذبون ويغدرون: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[الانفال/61-63]. ولكل طرف أن يطلب الضمانات المناسبة التي تجعله أكثر اطمئناناً.
وخلاصة القول: إن الأصل هو قبح القتال، وجوازه حالة استثنائية لا بد من توفر مسوغاتها الأخلاقية والإنسانية والشرعية على نحو صارم؛ لأن العبث في الدماء يورث غضب الله وفساد الحياة.
وتأكيداً على هذا المبدأ تحدث القرآن عن حق (كل) نفس في البقاء، واعتبر التدخل لإنهاء حياة الإنسان إفساداً في الأرض، وأخبر بأن الله قضى – منذ قتل ابن آدم آخاه – بأن: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾؛ ليبين أنه لا مجال للتلاعب بالحياة، وأن الاعتداء على حياة الفرد اعتداء على حياة النّاس كلِّهم، كون ذلك يمثّل الاعتداء على مبدأ حق الإنسان في الحياة، بصرف النظر عن كمية النفوس وطبيعة توجهها الفكري.
وكل ذلك يؤكد أن الله يريد إبعاد الحياة عن مواقع الخطر؛ لتعيش آمنةً مطمئنةً، في نطاق نظامٍ قويٍّ متكامل، يعيش كل أفراده مسؤولية الحفاظ على الحياة التي هي بمثابة أمانة عند الإنسان، وليس له الحرية في التصرف فيها والعبث بها.