عدن الغارقة في السلبية
سخر البعض من قوة سلمية الثورة، وذهبا بعضهم جنوبا بشطط يروج ما اخذ بالقوة يجب ان يستعاد بالقوة، دون ان يدرك ان العنف قنبلة خطيرة، إذا فقد السيطرة عليه قد تضيع بوصلة الجماعات السياسية والثورية وما انشأتها من ثكنات عسكرية، لا ضمان في السيطرة على زمامها، وتخرج عن جادة الصوب الى ما لا يحمد عقباه، مما يزيد من حجم المشكلة ليولد عدد من المشكلات التي قد يصعب حلها.
العنف يكون أكثر فاعلية، عندما ينضبط بسلطة دولة ومؤسسات عسكرية نظامية، عندما تكون مؤسسة وطنية بولاء وطني وتأهيل وطني وتموين وطني، وإذا ما وجد فيها من فساد او ولاءات ضيقة، تكون ضعيفة الأثر، في ظل سلطة الدولة وقوة النظام والقانون.
خطورة العنف تكمن في الظروف التي خلقت أدواته، في مجتمع منخور نعرات ونزعات وكراهية وأحقاد وعصبية، بالضرورة سينقسم لجماعات متناحرة، انقسام متوافق مع تلك الظروف، وتخلق مكونات عنف وثكنات عسكرية مشحونة نعرات ونزعات وكراهية وعصبية، ما يولد جنون عنف خارج السيطرة، يدفع لفوضى لا يحمد عقباها.
الناس اليوم في عدن ترى وهي في حيرة مما ترى، ترى مدينتهم مكتظة بكم هائل من الثكنات، والاطقم والعسكر والسلاح وهي تجول وتصول في الشوارع، والمدينة تعاني انفلات امني منقطع النظير، ترى قتل ونهب وبسط، وتهديد وتعنيف، تفتقد لأبسط أمور الضبط والربط القانوني، لإرساء النظام على الجميع، وإيقاف الخارجين عن هذا النظام والقانون، مهما كان ذلك القانون على الأقل ان يتحلى بقيم ونبل وسمو الثورة وعدالة القضية.
عدن انهكت وهُرم أبنائها، مما اصابهم من عنجهية وصلافة وتصلب، مما شاهدوه من خطاب عفن بعفن النعرات والكراهية التي ازكمت انوفهم، من حجم الانتهاكات التي اصابت خصوصية عدن بمقتل، مقتل المدنية فيها والتعايش والحب والسلام والوئام، انهكت عدن عبثا أيقونتها الثقافية ونسيجها المتناغم فسيفساء تعددها السياسي والاجتماعي والثقافي، عدن ذلك المنبر الذي اشاع يوما نور اضاء ظلام حقبة من الزمن الغابر، وحول البدو والرحل لرجال علم ومعرفة وتجارة وصناعة، والاحراش لمدن وعمارات، والأدوات البدائية لأخر صيحة في الصناعة والزراعة، والفانوس لكهرباء، و الدواب والحمير لسيارات اخر موديل، عدن الثغر الباسم لليمن والمنطقة والسباقة بكل جديد ومفيد، اليوم يراد لها ان تكون تحت سلطة التخلف والعصبية والكراهية، ومنصة لمعركة ثأر وانتقام قابعة في ذهنية مريضة مكتئبة وتعيسة لم تتمكن من افراغ ذاكرتها من سلبيات الماضي، وتحفيز ذاكرة إيجابية للتعامل مع الحاضر، للوصول لمستقبل آمن.
ما يحدث في عدن من معارك عبثية، معارك السطو والبسط على أراضيها ومتنفساتها ومعالمها، تعبير صادق عن نوايا القائمين، أو فشلهم الذريع في ان يكونوا في مستوى المسؤولية والحدث، ولا مجال هنا لتكرار الفشل، وإعطاء فرصة أخرى للتدمير الذاتي، وعدن لا تحتمل المزيد.
نقطة بداية السطر، يكفي الانتحار السياسي الذي ينحر عدن من الوريد للوريد ومعها الوطن، الانسحاب بشرف خيرا لكم ولعدن والوطن، وترك المجال لكوادرها ومؤهلاتها وكفاءاتها، لتعيد عدن لمصاف المدن المحترم، لتكن عاصمة محترمة وتدير بلد محترم للناس، ودولة محترمة تحترم حق الناس في الحياة والمعيشة والكرامة، عدن ليست ارض سكني تجاري، ولا منصة للصراعات العبثية، عدن مدينة للحياة والعلم ومدنية للسلوك والثقافات ونظام وقانون، عدن تعايش وعيش كريم حب وسلام و وئام، لا تقبل العصبية والطائفية والمناطقية والكراهية إن كنتم تعلمون.