لِمَ يكون وقف إطلاق النار مكسباً للتحالف باليمن؟!
الذي يطلب منك التوقف عن الأكل كي لا تصاب بعسر هضم هو صديق فعلا، وليس عدوا. أظن أن هذا ما تراه المملكة أيضا في نصائح أصدقائها بخصوص حربها في اليمن. يمن مونيتور/ تقدير موقف/ من عبدالله دوبله
الذي يطلب منك التوقف عن الأكل كي لا تصاب بعسر هضم هو صديق فعلا، وليس عدوا. أظن أن هذا ما تراه المملكة أيضا في نصائح أصدقائها بخصوص حربها في اليمن.
فالنتائج العسكرية والسياسية لعاصفة التحالف قد تكون كافية للتوقف، والبناء عليها في المفاوضات الجارية مع الحوثيين و”صالح” لخلق واقع سياسي على الأرض يحقق ذات الغرض من مواصلة العمل العسكري.
فإن كان الهدف هو إفشال الانقلاب، فقد فشل، وإن كان الهدف أيضا ضمان عدم قيام أي تهديد من اليمن في المستقبل، أظن أن ما تحقق من الناحية السياسية والعسكرية للعاصفة هو كاف لتحقيق هذا الهدف أيضا.
فاليمن قد يكون خطرا على جيرانه في حال كان الانقلاب “الحوفاشي” قد نجح في السيطرة على كل السلطة وكل الأرض في اليمن، أما الآن فقد فشل في ذلك، وما بات يحتاجه فقط هو الواقع السياسي الذي يكرس هذه الحقيقة، كالتوصل من خلال المفاوضات إلى سلطة توافقية على قاعدة النظام السياسي التعددي، ولا ضير إن كان بمشاركة تياري “الحوثي” و”صالح”، وحكم فيدرالي في الأقاليم انطلاقا من مخرجات الحوار الوطني والحقائق العسكرية على الأرض، خاصة في أقاليم الثروة، عدن، حضرموت، سبأ.
فالأنظمة التوافقية بعد أي حرب أهلية تكون ضعيفة في العادة، ولا يمتلك أي طرف فيها قرار السلم والحرب، كما قد تكون طويلة المدى، إذ قد تمتد لعشرين عاما أو أكثر على غرار النظام التوافقي في لبنان، وهي مدة كافية للعمل على نقل الثقل السياسي من المركز إلى الأطراف في الأقاليم، كضمان أيضا لعدم قيام أي تهديد في المستقبل من أي طرف قد ينفرد بالسلطة في المركز.
على هذه الصيغة أتوقع التوصل في جنيف إلى وقف لإطلاق النار، وإلى تسوية بحكومة توافقية بمشاركة الحوثيين وصالح برئاسة خالد بحاح ينقل إليها كل الصلاحيات المهمة، شريطة أن يظل هادي رئيسا انتقاليا للبلاد، وإن مؤقتا من عدن، ولكي تعود الحكومة إلى ممارسة مهامها من صنعاء سيشترط انسحاب مليشيا الحوثي من المحافظات ومن مؤسسات الدولة وعودة قوات الجيش بما فيها الموالية لصالح إلى ثكناتها مع تحملها مع مؤسسات الداخلية لمسؤوليات الأمن في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة الحوثي وصالح، وتحمل القوات الموالية للشرعية وقوات التحالف كأمر واقع للمسؤوليات الأمنية في المناطق المحررة، ولمعالجة هذا الوضع المزدوج أتوقع اختيار شخصيتين توافقيتين لحقيبتي الدفاع والداخلية لضمان وحدة مسؤولية الحكومة في كلا المنطقتين، وللقول أيضا أن وحدة البلاد لا تزال قائمة.
أتوقع أيضا أن يضغط المفاوضون عن صالح والحوثي بالخروج بزمن محدد للانتخابات في أقرب وقت للانتقال من هذه الحالة التوافقية التي وجدوا أنفسهم مضطرين إليها إلى السيطرة الكاملة على السلطة من خلال الانتخابات فيما لا يزالون يفرضون نفوذهم المسلح في المناطق الأكثر كثافة من حيث السكان، وهذا ما يفسر حرصهم على تعز كمحافظة تصويتية كبيرة، كما أتوقع أن يشترط المفاوضون عن الحكومة انجاز بعض المهام قبل الذهاب إلى الانتخابات، وكتسوية أتوقع تضمين الأمرين في بنود الاتفاق المحتمل، الا أنه وكما هي العادة في الحالات المشابهة لن يكون هناك أي انتخابات بدون توافق الأطراف السياسية التي قد تحتاج لعقود حتى تتوافق على ذلك، وإن حدث أن ذهبت بعد وقت للانتخابات فهو لإعادة ذات الحالة التوافقية أو العودة إلى الحرب الأهلية كاحتمال أضعف..
من المرجح أن تتحول هذه التسوية كما العادة إلى حالة دائمة وطويلة المدى في المستقبل، حيث الحكومة التوافقية هي من تمتلك الصلاحيات وحيث قرارها بالتوافق، مع رئيس وقادة للجيش والداخلية بالتوافق أيضا، في حالة مشابهة للوضع اللبناني الراهن، وحيث الأقاليم بصلاحيات أكبر كحالة خاصة بنا كنتيجة للواقع العسكري الذي فرضته عمليات التحالف في أقاليم الثروة سبأ، حضرموت، عدن، اذ لا خطورة للمركز في المستقبل بدون هذه الأقاليم.
وإن كان ثمة سؤال عن مصلحة التحالف من كل ذلك، يمكن القول إن هذه الصيغة تحقق هدفه في ضمان عدم قيام أي تهديد من اليمن في المستقبل، حيث لا أحد يحتكر القرار السياسي والعسكري في اليمن، إذ حتى إعادة تسليح الجيش لن يكون إلا بتوافق الأطراف السياسية في الحكومة، فيما يتكفل القرار ٢٢١٦ عن مجلس الأمن بإعطاء دول الجوار الحق في مواصلة العمل على منع وصول السلاح إلى مليشيا الحوثي، اذ لا زمن محدد لتلك المهمة في القرار.
كما أن هذه الصيغة قابلة للتحولات السياسية في المستقبل لصالح التحالف العربي، حين يكتشف صالح أو من يمثله في المستقبل أن ما قدموه من تضحيات لم يكسبهم شيء إلا مقاسمة الحوثي النفوذ فيما كان لهم أصلا سواء في تمثيلهم في الحكومة أو في نفوذهم في المحافظات التي هي محل نفوذ صالح التقليدي في الأصل في إقليمي آزال وتهامة وحتى في إقليم الجند. أو حين يكتشف أنصار الحوثي أن ما قدموه من تضحيات بشرية هائلة لم يكن بحجم تطلعاتهم للعودة للاستئثار بحكم اليمن، وأن ما قد يجنونه من خلال الشراكة السياسة، كان ممكنا بدون تضحيات وبدون حرب. تخيلوا حجم الخيبة فقط!
قد لا يكون الحديث عن مكاسب التحالف من هذه التسوية المحتملة كافيا بالنسبة للبعض للقول بإن هذه التسوية وبإن وقف إطلاق النار وفق المعطيات السياسية والعسكرية الراهنة هو يصب لصالح التحالف، وليس هزيمة له.
إذا، لنرى ما الذي يعنيه تورط التحالف في المزيد من هذه الحرب، وصولا لإسقاط الحوثيين وصالح في صنعاء، اذ نحتاج أحيانا لمعرفة المقابل للشيء لكي نعرفه.
يمكن اختصار المسألة بهذا التشبيه وتخيل التحالف في صنعاء كحال أمريكا في بغداد، وقد أستدرجتها إيران إلى مستنقع من العمليات الارهابية والتفجيرات، والكثير من الاستنزاف العسكري والاقتصادي لتجد نفسها مجبرة على الخروج في النهاية تاركة الجمل بما حمل لإيران في العراق.
ما بعد الحوثي وصالح هو المشكلة وليس اسقاطهما، فإن كان طرد قواتهما من عدن ومن الجنوب عموما لم يتطلب الكثير من التحالف فإنه لا يزال يعاني لأجل استعادة الأمن في تلك المناطق، وإن كان كذلك لم قد يضيف على نفسه أعباء إضافية في صنعاء أو في غيرها من المناطق إن كان ما تحقق له كاف من الناحية السياسية والعسكرية لتحقيق أهدافه على قاعدة فشل الانقلاب، وضمان عدم قيام أي تهديد من اليمن في المستقبل.
لِمَ لا يكون الاستدراج إلى المستنقع اليمني لا التهديد الحوثي التقليدي هو ما خططت له إيران لأجل المملكة منذ البداية؟!
يبدو لي أن السعودية كانت تدرك هذا الأمر أيضا، بدليل أنها لم تعمل على بناء مؤسسات دولة مركزية من عدن أو من أي منطقة محررة أخرى، وأنها كانت تخطط منذ البداية لعودة الحكومة الشرعية للعمل من صنعاء من خلال تسوية سياسية وأن عملياتها العسكرية هي في هذا الإطار منذ البداية أيضا.
يمكن القول إن التوصل لأي تسوية سياسية في “جنيف2” ووقف إطلاق النار إن حدث في هذه الجولة، هو في إطار أهداف التحالف العربي وليس فشلا له، أو أنه وجد نفسه مجبرا عليه، فالإنقلاب “الحوفاشي” قد فشل، وثمة حقائق سياسية وعسكرية على الأرض تؤسس لعدم قيام أي تهديد للجوار من اليمن في المستقبل، وهذا هو الأهم.