قضية العفو عن معارضين بالكويت.. لغم قد يفسد العلاقة بين البرلمان والحكومة
(رويترز)
يبدو أن الخلاف على العفو عن معارضين من النواب السابقين والناشطين السياسيين المدانين بأحكام مختلفة في الكويت يمثل لغما قد يفسد التعاون بين البرلمان والحكومة التي يسعى رئيس الوزراء المكلف لتشكيلها في لحظة تواجه فيها البلاد واحدة من أسوأ أزماتها المالية.
فبينما يعكف رئيس الوزراء الكويتي الشيخ صباح الخالد الصباح على اختيار وزرائه، تعهد عدد كبير من النواب في حملاتهم الانتخابية بما وصفوه “برفع الظلم” عن هؤلاء المعارضين، الذين أدينوا في القضية المعروفة بدخول أو اقتحام مجلس الأمة أو في قضايا تتعلق بتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكان معظم هؤلاء المعارضين سافروا إلى تركيا أو بلدان أخرى، لكن عددا منهم رجعوا إلى الكويت ونفذوا “شروطا” شملت تسليم أنفسهم للسطات وقضاء جزء من عقوبة السجن وتقديم اعتذار مكتوب لأمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح.
وأصدر الأمير الراحل عفوا خاصا عمن استجاب لهذه الشروط ومن هؤلاء النائبان السابقان وليد الطبطبائي وفهد الخنة.
تعود وقائع قضية دخول أو اقتحام مجلس الأمة إلى نوفمبر تشرين الثاني 2011 حين اقتحم نواب وعدد من المتظاهرين القاعة الرئيسية في المجلس احتجاجا على أدائه في ظل سيطرة النواب الموالين للحكومة عليه وطالبوا باستقالة رئيس الوزراء آنذاك، الشيخ ناصر المحمد الصباح الذي اتهموه بالفساد، وهو ما ينفيه الشيخ ناصر.
ورغم استقالة الشيخ ناصر بعد أيام من هذه الواقعة وتعيين الشيخ جابر المبارك الصباح خلفا له وإجراء انتخابات نيابية عدة مرات، ظلت القضية متداولة في أروقة المحاكم إلى أن صدر بشأنها حكم محكمة التمييز، وهي أعلى محكمة، في نوفمبر تشرين الثاني 2017 .
وقضت المحكمة بحبس عدد من المتهمين بينهم النائبان جمعان الحربش ووليد الطبطبائي والمعارض البارز مسلم البراك.
وأبدى النائب الصيفي مبارك الصيفي أمله أن يعفو أمير الكويت الجديد عن “الأخوة الزملاء” الموجودين في تركيا.
وردا على سؤال حول موقف النواب إذا وقفت الحكومة ضد العفو الشامل ولم يصدر عفو خاص قال الصيفي لرويترز إن هذا سيكون “محل خلاف بين الجانبين وقد يفسد العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة”.
وقالت ثلاثة مصادر لرويترز إن الغالبية العظمى من هؤلاء المدانين ليس لديهم مانع من الرجوع إلى البلاد وتسليم أنفسهم للسلطات وقضاء فترة من العقوبة، وتقديم اعتذار شفهي أو مكتوب، لكن “صيغة الاعتذار” المطروحة عليهم غير مرضية لهم حتى الآن.
وقال مصدران منهم إن محاولات سابقة جرت من أجل “تخفيف” صيغة الاعتذار لكنها لم تكلل بالنجاح.
وقال مصدر ثالث إن حالة من التفاؤل سادت أوساط المعارضة بعد تولية أمير الكويت الجديد الشيخ نواف الأحمد الصباح، بإمكانية تخفيف صيغة الاعتذار وطي الملف، لكن الوضع بقي على ما هو عليه حتى الآن.
وفي التاسع من ديسمبر كانون الأول الماضي وبعد ساعات من إعلان نتيجة الانتخابات التي جرت في السادس من الشهر ذاته وفاز فيها نواب معارضون وتغير نحو ثلثي نواب البرلمان، اتفق 37 نائبا على عدد من الأولويات جاء في مقدمتها إقرار قانون العفو الشامل.
وبعدها بأيام تقدم خمسة نواب بأول اقتراح بقانون في مجلس الأمة الحالي يتعلق بالعفو الشامل عن هؤلاء.
وتعيش الكويت في الوقت الحالي أجواء استقطاب بين الحكومة والنواب المعارضين الذين قدموا استجوابا لرئيس الوزراء في يناير كانون الثاني يتهمونه فيه بعدم التعاون مع البرلمان.
وأيد نحو 37 نائبا من أعضاء البرلمان الخمسين المنتخبين الاستجواب، وهو ما أسفر عن استقالة الحكومة وإعادة تكليف الشيخ صباح الخالد بتشكيل الحكومة الجديدة.
مثلت تلك المواجهة بين الحكومة والبرلمان أول تحد يواجه أمير الكويت الذي تولى زمام الحكم في سبتمبر أيلول، بعد وفاة أخيه الشيخ صباح الأحمد. كما جاءت في لحظة يئن فيها اقتصاد البلاد المعتمد على النفط من هبوط أسعار الخام والتداعيات الناجمة عن انتشار فيروس كورونا.
وخفضت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية الأربعاء النظرة المستقبلية لتصنيف الدين السيادي للكويت إلى “سلبية” من “مستقرة”، قائلة إنها تتوقع مخاطر على صعيد السيولة في الأجل القريب مرتبطة بصندوق خزانة الدولة.
* عفو أم لا عفو
يعطي الدستور أمير البلاد الحق في إصدار مرسوم بالعفو عن العقوبة أو تخفيفها، كما يعطي البرلمان سلطة إصدار العفو الشامل عن الجرائم المقترفة. ويمنح العفو الشامل الصادر من البرلمان المدانين إعفاء من العقوبة والآثار المترتبة عليها بما يسمح لهم بخوض الانتخابات مرة أخرى بينما لا يسمح لهم العفو الخاص بذلك.
وقد التقى رئيس الوزراء عددا من النواب الأسبوع الماضي وقالت صحف محلية إن قضية العفو كانت حاضرة في الاجتماعات، وقد تجد طريقها للحل في الفترة المقبلة. وتوقعت جريدة الجريدة أن يصدر عفو خاص من أمير البلاد يتزامن مع الأعياد الوطنية.
وبعد تكليف رئيس الوزراء بتشكيل الحكومة أعلن النائب مساعد العارضي تقديم استجواب جديد له لأنه “لم يتعاون في ملف العفو.. ولأن غير القادر على التصالح مع شعبه لا يستحق أن يدير حكومة”.
النائب الصيفي قال لرويترز إنه يؤيد “العفو الشامل بكل قوة”.
وأضاف “نأمل من صاحب السمو أن يعفو عن الاخوة الزملاء (الموجودين في تركيا) حيث أنهم لم يعتدوا على المال العام ولم يكونوا إلا مدافعين عن أبناء الوطن وخوفهم على وطنهم هو الذي أدى بهم إلى قضية دخول المجلس”.
وفي المقابل يطرح نواب آخرون قضية خلية العبدلي التي أدين فيها إيراني وعدد من الكويتيين، جميعهم شيعة، بالتجسس لصالح إيران وجماعة حزب الله اللبنانية، بعد أن عثرت السلطات الكويتية بحوزتهم على أسلحة ومتفجرات في مداهمة استهدفت الخلية في 2015 وهو ما تسبب في تصعيد توترات طائفية في حينها.
وقال النائب عدنان عبدالصمد في تصريح صحفي عقب لقاء رئيس الوزراء الأسبوع الماضي “إذا كان هناك عفو شامل أو مصالحة فيجب أن تشمل الجميع بمن فيهم أعضاء ما يسمى “خلية العبدلي”، فهؤلاء قضيتهم حيازة سلاح .. وهم لم يرتكبوا أي سلوك عدائي بهذه الأسلحة”.
وتقدم الدكتور هشام الصالح عضو اللجنة التشريعية بالبرلمان باقتراح بقانون بالعفو الشامل عن جميع الجرائم الجنائية والجنح والأفعال المجرمة قبل 31 ديسمبر 2020. واستثنى منه من ارتكب جريمة تستحق عقوبة مغلظة كالقتل والاعتداء على المال العام وغسيل الأموال وجرائم أمن الدولة وغيرها.
وقال الصالح إن اقتراحه يشمل العفو عن النواب المعارضين والناشطين الموجودين في تركيا وكذلك المدانين في قضية خلية العبدلي، والمدانين بسبب الإساءة لدول أخرى.
وقال لرويترز إن اللجنة التشريعية في مجلس الأمة سوف تناقش يوم الثلاثاء المقبل أربعة مقترحات تتعلق بالعفو، ثلاثة منها تتعلق بالموجودين في تركيا والرابع يتعلق بالعفو عن المدانين بموجب قانون المطبوعات والنشر، بينما سيتم مناقشة اقتراحه بالعفو الشامل بعد ذلك.
وفي كثير من الأحيان يفرق النواب بين قضية المعارضين الموجودين في تركيا التي يدرجونها ضمن حرية التظاهر والرأي والتعبير وقضية خلية العبدلي التي يعتبرونها تمس الأمن الوطني للبلاد.
وقال الصالح “من الناحية النظرية هذا الكلام صحيح. لكن الحكم (على خلية العبدلي) قائم على التحريات وهناك ملاحظات لدينا على هذه التحريات. ومن هذا الباب ندعو إلى العفو (عنهم).”
وأضاف “أنا مع العفو الشامل العام الذي يشمل الجميع.. حتى المدانين في الجرائم الجنائية.. لنشر التسامح وتخفيف الأعباء عن السجون”.