أواخر عام 2018، أعلن الرئيس اليمني عبد ربه منصور، أنه لن يسمح بنقل التجربة الإيرانية إلى بلاده “ولو على رأسه”. ومنذ ذلك التاريخ، وهذه التجربة تنتقل إلى الأراضي اليمنية براً وبحراً وعبر الأثير، وربما هاجرت كلياً من طهران واستقرت في صنعاء.
اليوم، وبعد أن أصبحت صنعاء شبيهة بولاية إيرانية، لن يكون مستغرباً أن نسمع التجربة الإيرانية التي غزت المدارس والجامعات والمساجد والشوارع في مناطق نفوذ جماعة الحوثيين، أن تخرج في تصريح صحافي، تعلن فيه أنها لن تسمح بعودة هادي إلى اليمن. استفز هادي التجربة، وما بين الاستفزاز والتحدي، سيدفع جيل كامل من الشعب اليمني الثمن الباهظ الذي يتجلى يوماً بعد آخر على شكل نسخ صادمة من التجربة تتجوّل في صنعاء.
العام الماضي، وفي وقت كان فيه العالم يشهد جائحة صحية تمثلت في تفشي فيروس كورونا، كان اليمن يشهد جائحة مختلفة، تتمثل في تفشي التجربة الإيرانية، التي تفاقمت عقب وصول سفير طهران لدى الحوثيين، حسن إيرلو، إلى صنعاء، الذي أعلن على الملأ، في فعالية إحياء الذكرى السنوية الأولى لاغتيال قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، أن اليمن هو القلب النابض للمقاومة.
لا تشبه صنعاء باقي عواصم المنطقة التي تحكمها وتتحكّم فيها مليشيات وأذرع إيران، فجماعة الحوثيين جعلت العاصمة اليمنية مستباحة بشكل لا يصدق لتطبيق التجربة الإيرانية، غير مبالية بالهوية والتاريخ ومصير جيل كامل من النشء يتم تلقينه، إجبارياً، آخر صرعات ولاية الفقيه.
استلهام الحوثيين للتجربة الإيرانية عسكرياً وإعلامياً ودينياً وحتى تربوياً، كان متوقعاً من الجماعة. لكن أن تشهد صنعاء ظهور سلالة جديدة من التجربة الخمينية، والمتمثلة في حظر وسائل منع الحمل، فهذا يعني أن المستحيلات تتحقق، وأن المناطق الخاضعة للنفوذ الحوثي شمالي اليمن، باتت منكوبة فكرياً وتحت جائحة التجربة.
أصدرت سلطات الحوثيين، في اليومين الماضيين، قراراً يقضي بحظر وسائل منع الحمل في مناطق سيطرتها، وإلغاء العمل بدليل تنظيم الأسرة الذي تدعمه المنظمات الأممية منذ عقد، في تطبيق حرفي لدعوة المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي وجّه بتطبيق القرار في مناطق البدو الرحّل فقط، بهدف زيادة عدد سكان إيران.
يتقمّص زعيم “أنصار الله” عبد الملك الحوثي شخصية زعيم الأمة، وفي كل كلماته المتلفزة التي يظهر فيها غالباً في المناسبات الطائفية، يوجّه حديثه للأمة ويزعم أنه يدافع عن الأمة، ولذلك هو يريد من اليمنيات أن ينجبن له أمة تردد الصرخة الخمينية عند سماع كلماته، ولا يهم إن كانت أمة ستموت جوعاً في ظل نهبهم للمرتبات، وكذلك لا يهم عدد الأمهات اللواتي سيفارقن الحياة في حال عدم الالتزام بقواعد تنظيم الأسرة.
وحتى يتحقق المشروع، وجّه زعيم الأمة الحوثية، سلطاته في صنعاء، بتدشين معركة واسعة ضد الأمهات اليمنيات اللواتي يجب أن يتحوّلن إلى آلات لإنتاج الأطفال فقط، بدءاً من حظر وسائل منع الحمل، ومنع ممارسة المرأة للعمل كنادلات في المطاعم، ومنع الاختلاط في الجامعات والمدارس لتطفيشهن من التعليم، وصولاً إلى توجيه إهانات للمرأة التي تطالب بالمساواة مع الرجل ونظام الكوتا، ووصفهن بـ”المتيهودات”، كما جاء على لسان القيادي الحوثي أحمد مطهر الشامي.
*نشر في “العربي الجديد”