نحو “وعي وطني” للجاليات اليمنية
حسب التقارير الإحصائية الرسمية فإن ما يقارب من 7 مليون يمني يعيشون خارج اليمن حيث يشكلون ما نسبته 32٪ من إجمالي السكان، اي ثلث سكان اليمن تقريبا ،… بلا شك أن هذا الرقم المهول يوجب علينا التفكير بجدية في كيفية خلق وعي وطني و مجتمعي في أوساط الجاليات اليمنية تجاه القضية اليمنية في الخارج
وبالغوص أكثر في مجتمعات اليمنيين في الخارج سواء كانوا عمالاً مقيمين أم لاجئون أم طلاباً يشعر الشخص أن هناك حالة من الفراغ الكبير في الصف المناهض للحوثيين في أوساط الجاليات اليمنية في شتى الدول المستضيفة بالرغم أنهم يمثلون النسبة الأعلى والتي قد تصل بعض الأحيان إلى مرحلة الإجماع ضد الانقلاب الحوثي السلالي.
عكس هذا الفراغ حالة من الضبابية وعدم وضوح الرؤية في كيفية التعامل مع القضايا الوطنية اليمنية بتوازن، بعيداً عن الأحكام العاطفية أو التفكير السطحي, أو المواقف ذات الطابع النكائي (نكاية)، والتي تحتاج إلى الوضوح في التعامل، والثبات في الموقف.
وبلا شك فقد أثر ذلك بشكل سلبي على كثير من المفاهيم والواجبات الوطنية سواء على المستوى الفردي للمواطن اليمني في الخارج أم على المستوى الكلي للجاليات والكيانات النقابية حيث ساهم في إضعاف قدرة اليمنيين على تجاوز الخلافات وإعادة ترتيب الأولويات التي فرضتها المرحلة وتحديد الواجبات تجاه القضية اليمنية.
نعتقد أن إعادة ضبط الرؤية وخلق وعي جماهيري قوي وتنويري في أوساط الجاليات اليمنية يعتبر من الأولويات الوطنية الواجب وطنياً وأخلاقياً الالتفات لها، وفي هذا المقام ممكن التطرق لمفاهيم أساسية قد تساعد في خلق وعي مجتمعي في الخارج:
الشعور بالمسؤولية
أن يستشعر الشاب اليمني في الخارج المسؤولية أمام الله تجاه وطنه، ومسوؤليته الأخلاقية والقيميه تجاه بلده اليمن، لأن الشعور بالمسؤولية الفردية والجماعية هو بداية الطريق في وضوح الرؤية في كيفية التعامل مع القضايا الوطنية، وفي هذه النقطة يجب نتذكر جميعا ً أنه لايمكن القبول بفكرة أنه قد يتم الاستغناء عن الوطن بشكل مؤقت أو مستمر بمجرد الحصول على وظيفة مرموقة أو جنسية ما في أي دولة، فالوطن لا يمكن تعويضه بأي حال ولايتسع المقام لإثبات ذلك.
الثوابت الوطنية
أن نفهم جيدا الثوابت الوطنية التي لا تقبل النقاش أو الجدل، أو التلاعب بها نكاية بطرف أو إرضاء لجهة؛ لأن الثوابت الوطنية هي المرجعية والركن الذي نستند إليه في حشد الجهود والطاقات في الدفاع عن اليمن.
النظام الجمهوري
وأثبت الثوابت الوطنية بلا شك هو النظام الجمهوري الذي يعكس قيم الحرية والعدالة والتنافس السلمي للسلطة، والتعايش، والتوزيع العادل للثروة، ومبدأ المساواة في الحقوق والحريات، وسيادة القانون، وبالتالي مهما حصل أو يحصل يجب أن لا يلجأنا لفقد البوصلة تجاه هذا المبدأ الوطني العظيم.
شرعية المؤسسات الوطنية
ضرورة التمسك بمبدأ الدفاع عن شرعية المؤسسات الوطنية التي تجسد النظام الجمهوري وهي بشكل عام السلطات الثلاث المعروفة (السلطة التنفيذية، السلطة الرقابية والتشريعية، السلطة القضائية), وبقية المؤسسات الوطنية ذات الأهمية مثل مؤسسة الجيش والأمن، هذه المؤسسات يجب أن تكون خطاً أحمر في قضية الإيمان بأهميتها وعدم التفريط بها، لان التفريط بها سيؤدي إلى تشتت الدولة وتفتيتها، وتمزيق الصف الوطني المناهض المليشيات الحوثية وسيؤثر في سير المعركة الوطنية المقدسة ضده الحوثيين.
القيادات التي تمثل الشرعية
في هذه النقطة بالذات يجب ان نفرق بين شرعية المؤسسات وبين من يمثلون المؤسسات ، أو القيادات التي تمثل هذه المؤسسات من خلال الآتي:
– التفريق بين مفهوم المؤسسات الوطنية وبين القيادات التي تمثلها
الدفاع عن المؤسسات الوطنية لا يعني أبداً الدفاع عن من يمثلها أو يقودها، وبالتالي لا يتحرج المتضجر من فساد قيادات محسوبة على الشرعية أن يدافع عن مؤسسات الدولة ودعم أي جهد للقيام بواجباتها الوطنية المنصوص عليها في الدستور والقانون اليمني.
– عدم التنكر للمؤسسات الشرعية الوطنية
لا يلجأنا الضعف، أو الفساد، أو المحسوبية، أو الامبالة في بعض من يمثلون هذه المؤسسات الوطنية إلى التشكيك بأهمية هذه المؤسسات في الحفاظ على ما تبقى من شكل الدولة اليمنية، أو عدم الاصطفاف خلف الصف الجمهوري ومناهضة الانقلاب الحوثي الطائفي، بل يجب ان نفرق بين الثوابت هنا وبين الوسائل ، فالمؤسسات الوطنية تعتبر ثوابت في هذه المرحلة بينما الذين يمثلونها هم وسائل والوسيلة تتغير وتتبدل.
– تطبيق الدستور والقانون في تصحيح الأخطاء
الاصطفاف خلف المؤسسات الوطنية لا تعني التسليم للأخطاء والقصور الحاصل في بعض رجال الشرعية، أو عدم تصحيح الأخطاء التي طرأت أو قد تطرأ في من يمثل هذه المؤسسات الوطنية، أو تقييمه، أو تغييره، أو فضح الفساد والمفسدين منهم، بكل الوسائل السلمية المتاحة التي كفلها الدستور والقوانين اليمنية.
– الإلتفاف الجماهيري خلف القيادات الوطنية الذي ثبت نزاهتها ووطنيتها
كما أنه من الواجب الوقوف ضد تواجد المفسدين في بعض الدوائر الحكومية كذلك لا بد من التجرد من أي قيود حزبية أو مجتمعية قد تمنعنا من الوقوف مع رجال الشرعية الذين ثبت لنا نزاهتهم ووطنيتهم من خلال التزامهم بالدستور والقانون والمسئوليات التي كلفوا بها، وقربهم من معاناة الشعب كلاً في تخصصه، لأن الإلتفات الشعبي والجماهيري مع القيادات الوطنية سواء المدنية أو العسكرية سيعزز من قدرتهم على الصمود والانحياز للتطلعات الشعب، وسيمكنهم من الوقوف بقوة ضد أي ضغوطات قد يتعرضوا لها.
ميثاق شرف اجتماعي للجاليات اليمنية في الخارج
أن يكون هناك ميثاق شرف للجاليات اليمنية في الخارج يتجاوز أي خلافات نشأت من قبل بسبب الأحداث السياسية في الداخل اليمني أو قد تنشأ في المستقبل، حيث سيعزز ميثاق الشرف في تقوية الصف الوطني في الخارج والمناهض للمليشيات الحوثية، ويساعد اليمنيين في الخارج على استغلال تواجدهم في المجتمعات التي يتواجدون فيها في إبراز القضية اليمنية لاسيما الجاليات التي تتواجد في دول لها تأثير في مسار القرارات الدولية، أو منظمات أممية لها تأثير في القضية اليمنية سواء من الناحية السياسية أو الإنسانية، وسيمكن ميثاق الشرف الجاليات اليمنية لأن تكون رافد أساسي للدبلوماسية في الخارج، أو قد تحل محلها في بعض الدول التي تشهد ضعف في بعض السفراء اليمنيين،
ومن هذا المنطلق بالإمكان أن يشمل ميثاق الشرف بعض القضايا مثل:
– التخلص من عقدة الأحداث السياسية السابقة
عدم استدعاء الأحداث السياسية الماضية والتي أصبحت جزء من الماضي بهدف توحيد الصف الوطني المناهض للحوثيين في الخارج، فلا التحدث عن أخطأء علي عبد الله صالح واللقاء المشترك سيحرر صنعاء من قبضة المليشيات، ولا محاولة تحميل ثورة الشباب أحداث ماضية قد ذهبت ستعيد النظام الجمهوري،
فاستعادة صنعاء وكل محافظات الجمهورية اليمنية واستعادة المؤسسات المنهوبة لن يحصل إلا بتوحيد الصف الجمهوري.
– التحرك الإعلامي
حشد الإمكانيات والجهود سواء الميدانية أو الإعلامية في محاربة المليشيات الحوثية، وتوضيح فكرها الطائفي المتطرف، وخطرها على الهوية اليمنية والمجتمع اليمني، والأمن الإقليمي والدولي، وتكثيف الجهود في الضخ الإعلامي المناهض إلى المواطنين الذين يسكنون تحت سيطرتها بهدف زيادة الوعي ضد هذه المليشيات لان هناك جيل بأكمله قد نشأ تحت ظل سيطرتهم، ولأن السكان الذي تحت سيطرتها سيكونون خط الهجوم الاول في الدفاع عن النظام الجمهوري، وكبح جماح المليشيات الحوثية.
– رفض الدعوات التقسيمة
العمل على محاربة الدعوات المناطقية أو الفئوية أو الجهوية أو الشخصية، أو محاولة فرض مطالب سياسة بقوة السلاح أوإعلان التمرد على الدولة، في أي منطقة يمنية كانت، ودعم الجهود التي تسعى لحل القضايا السياسية المختلف فيها بالحوار، والعمل على التحذير من مثل هذه الدعوات التي بلا سك تضعف الدولة اليمنية وتضعف الصف المناهض للحوثيين ، كما أنها تضعف السيادة اليمنية وتصبح الدولة اليمنية هدفاً سهلاً لكل الأطماع الخارجية.