آراء ومواقف

التحالف.. وإعادة رسم مستقبل اليمن

راكان الجبيحي

نجح المخلوع علي صالح ومعه الحوثي في توسع نطاق الحرب ولم يكتفِ في حدود الجبهات في بعض المدن وتدمير البلاد وقتل الشعب وتصديع النسيج الاجتماعي، مستغلاً بذلك انشغال التحالف في إعادة ترتيب أوراقه بخصوص الوضع في اليمن بصيغة محورية واستراتيجية مربوطة بأهداف السعودية والمنطقة بأكملها مع استمرارها بالعمل العسكري على الأرض والتحرك. نجح المخلوع علي صالح ومعه الحوثي في توسع نطاق الحرب ولم يكتفِ في حدود الجبهات في بعض المدن وتدمير البلاد وقتل الشعب وتصديع النسيج الاجتماعي، مستغلاً بذلك انشغال التحالف في إعادة ترتيب أوراقه بخصوص الوضع في اليمن بصيغة محورية واستراتيجية مربوطة بأهداف السعودية والمنطقة بأكملها مع استمرارها بالعمل العسكري على الأرض والتحرك، وإن كان يسير ببطء كبير، وهذا الأمر عائد على نظرية التحالف والسعودية، خصوصاً وتعي تماماً ولربما يأتي ذلك بطبيعة الخطوات التي تتضمن إمكانية التوازي والتنسيق مع استراتيجية الخليج والمنطقة برمتها.
سعى المخلوع بكل امكانياته إلى كشف وتحريك أدواته وخلاياه النائمة المرتبطة به، وعمل على إحداث قلقلة أمنية واغتيالات لشخصيات بارزة في عدن وغيرها، واتساع رقعة الصراع إلى القرى والأرياف كضمانة لاستمرار الحرب فيما بعد، مدركاً أنه أمام آخر سبيل له بالتوازي مع نهايته الحتمية بأي شكل وبأي وسيلة، والذي كان الجميع يضع في الحسبان تلك الأوراق إلى ظهورها فيما بعد، لكنها أتت بسرعة غير متوقعة وهي هدية اكتسبتها الأطراف الشرعية ودول التحالف.
كان تدخل دول التحالف العربي في اليمن لردع تدخل إيران وعدم السماح بتماديها في المنطقة وبتر أجندتها، واجتثاث انقلاب “علي صالح” والحوثيين وأهداف أخرى غير واسعة المحور؛ وكان من منظورها المحدود أن ذلك لن يستغرق وقتاً طويلاً وهو الشيء نفسه الذي كان يتوقعه الكثير من المتابعين وكاتب هذه السطور أحدهم، غير مدركين لحساسية الوضع، وخصوصاً ان المخلوع والحوثي لا يمتلكان القوة العسكرية والقتالية فحسب، وانما يسندان ظهريهما إلى خشبة إيران ودول أخرى تلعب على خلط الأوراق من تحت الطاولة.
ما إن فُتحت الآفاق والمحاور أمام السعودية وهي تتجه صوب مهمة تاريخية ورؤية مستقبلية للمنطقة، حتى أعادت النظر في رسم هيكل اليمن الجديد التي تسعى إلى نضجه بالطريقة المتماثلة، وحددت نماذج وخطوات تتقارب بين الوضع اليمني وبين رؤيتها المستقبلية. وإن كان هناك فارقاً زمنياً بإطالة أمد العملية العسكرية، والذي لا شك أن السعودية والتحالف بشكل عام يعي ذلك الأمر، ويأخذ بعين الاعتبار كل الردود الايجابية والسلبية.
وعزمت على استكمال المشوار حتى النهاية وإن كان هناك بطء.. ذلك أن التحالف يمضي حسب خطواته الذي وضعها لسير العملية سواءَ سياسياً أم عسكرياً، مستخدماً بذلك جميع الجوانب والحسابات العميقة لدى جميع الأطراف اليمنية، وطبيعة المعارك على الأرض.
يمتلك التحالف الذي تقوده السعودية رؤية عميقة صوب مستقبل اليمن ودول المنطقة بشكل عام وخصوصاً مع التقارب الكبير مع تركيا، وإن كانت تلك الرؤى محدودة التباين في ظهور معالمها حالياً، إلا أن الوضع الراهن يوشك على وضع بنود وأُسس تلك الرؤى الهادفة والتي ترى المملكة من منظورها أنه لا يمكن خروج اليمن من المعادلة القياسية والشبكة الموسوعة والتي يتم بلورتها كجزء لا يتجزأ من المشروع التاريخي القادم الذي يتم تحظيرها من ثلاثي دول المنطقة “السعودية قطر تركيا” إلى جانب مصر التي، ربما، يتم النظر في بعض سياستها بما يخدم شعبها ويخدم ذلك المشروع.
ترك التحالف الوضع القائم في اليمن بين قالب الكر والوفر دون نتيجة لأي طرف وبين الغموض المُبهم بعدما أعلن عن انطلاق تحرير مدينة تعز؛ ومن ثمّ توقفت العملية بصورة غامضة وتغيير مفاجئ لخوض سير العملية العسكرية، تماماً كما أنه، أي التحالف، ظل صامتاً بُرهاً لمعادلات قادمة، دون الإقدام في ذلك الوقت في اللعب على الأرض سياسياً وعسكريا، وإحداث نوع من التوازنات لإيجاد فوراق جوهرية في عملية دول التحالف والذي لعبها الطرف الآخر من خلال ترك تلك الثغرات، ذلك إنما دليل على وجود لدى التحالف رسم خارطة اليمن المستقبلي كجزء من مشروع نهضة المنطقة الذي يتم رسمها حديثاً بأدوات عربية لا أوروبية كما كان في السابق.
يدرك التحالف أنه لا يمكن الابتعاد كثيراً عن العملية العسكرية في البلاد، وإن كانا حاضرين بطبيعة الدعم المحدود وعدم جدية التقرب وقراءة مشهد المعارك والترتيب عن قرب، تماماً كما يدرك أنه لا يمكن ترك الغموض الجاري وإثارة التساؤلات لدى المجتمع اليمني والشرعية أيضاً، بطبيعة التحضير على الأرض لمعركة صنعاء وقيادتها وتسيير العملية وإن كان إعلامياً كجزء مبدئي، بجانب المعركة الأهم والتي تعتبر معركة استعادة الدولة الذي لا بد من حسمها حتى يتبعها ما تبقى من المدن، وهي معركة تعز التي اُعلنت من قبل التحالف بدء حسمها وتحركت القوات، ومن ثم فجأة توقفت على بعد عشرات الكيلو مترات من مداخلها بدواعي مُريبة وغير مُجدية نفعاً للمتابع الذي أصبح أكثر معرفة بالوضع، وعلى اطلاع كبير لسير المعارك ومجريات الاحداث، تاركاً قيادة المقاومة والجيش الشرعي في تعز أمام غموض وشيك، وتساؤلات مُثيرة.
لا بد للسعودية وللتحالف أجمع، النظر وبتمعن إلى تداعيات الوضع الغامض في خط سير المعركة وخصوصاً تعز، والتداخل المزدوج الذي قد يجر العملية وخطوات سيرها إلى كارثة وخيمة وغير مقبولة. ويحرف مسار المهمة التاريخية، ويهدم رؤى وبُنيان المشروع الذي يتبنا نهوض المنطقة والذي يواجه صعوبات وإعاقات كبيرة من دول عدة.
على التحالف الذي تقوده السعودية والمعنية أساساً وأولاً وأخيراً بالوضع، أن لا تبتعد كثيراً عن معركة تعز ومعركة استعادة ما تبقى من البلاد، وأن لا تسمح بحدوث إعاقات في العملية التي تكفلت بها، إن كانت فعلاً تريد الحسم بطبيعة خطواتها المندرجة ضمن جدول ترتيباتها العامة، والتعامل مع المتواجد على الأرض بجدية صارمة حتى لا تتوارث العواقب سلباً والتي قد تَتَسبب في قلب التوازنات في المعركة بمجرد وجود أي شكوك بين قيادة المعركة وبين التحالف بنية حسم المعركة، دون الرهان على تعز خشية وجود عملية سياسية في ظل تعنت وعدم استجابة الطرف الآخر.. لكونها محل اهتمام لجميع الاطراف وهي المعركة الوحيدة الدائرة في البلاد. ومفتاح لتحرير صنعاء والوصول الى اجتثاث المليشيات متى ما صحّ عزم ونية التحالف!
————-
*خاص بـ”يمن مونيتور”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى