في يناير 2017، كان الشرق الأوسط الذي ورثه ترامب عن سابقيه في حالة تمزق في معظمه. كانت «داعش» تسيطر على قطاعات كبيرة من العراق وسوريا. والحروب الأهلية مستشرية في اليمن وليبيا. وكانت إيران وتركيا- مع حلم كل واحدة منهما بأن تصبح قوة إقليمية مهيمنة- متورطة في صراعات عبر الشرق الأوسط. وبدلاً من استمرار الجهود التي دشنها الرئيس باراك أوباما لإلحاق الهزيمة بـ«داعش»، وبدلاً من التصدي للحراك السلبي الإقليمي على جبهات أخرى، اتبعت إدارة ترامب سلسلة من السياسات الإقليمية قصيرة النظر وبطريقة التجزئة. وبدلاً من محاولة لعب دور القيادة في تقليص التوترات وحسم الصراعات، أصبحت الولايات مشاركاً في كثير منها، مما تسبب في تفاقم توتر الأوضاع في المنطقة.
وهذا ما وصلنا إليه ونحن ندخل العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين. فما زلنا ندفع ثمن العواقب الكارثية لحرب العراق التي شنها جورج بوش الابن، وعدم قدرة إدارتي أوباما وترامب على إصلاح الضرر. ويضاف إلى هذا تأثير جائحة كوفيد-19 على شعوب الشرق الأوسط، وعدم قدرة الدول الأضعف في المنطقة على التعامل مع الانتشار المتواصل لفيروس كورونا. ومع بدء إدارة بايدن المقبلة وضع خريطة لنهجها في هذه المنطقة يجب أن تكون هناك عدة أمور واضحة. أولاً، لا يمكن العودة ببساطة إلى واقع الحال السابق والمتمثل في إحياء الاتفاق النووي، كما كان أو استئناف محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية. بل يتعين التفكير في الوقائع الجديدة القائمة حالياً على امتداد المنطقة ويتعين تعلم دروس من الاخفاقات السابقة.
ومن المهم أيضاً الاعتراف بأن الولايات المتحدة التي ما زالت تمتلك قوة ومواد كبيرة لم يعد لها دور قيادي مهيمن، كما كان الحال قبل عقدين. ومن الحيوي أيضاً الاعتراف بأنه من غير الممكن تجاهل النظرة الشاملة والتعامل مع القضايا بالتجزئة. فكل شيء متشابك. وكل اللاعبين الإقليميين متورطون، بتشكيلات مختلفة، في كل نقاط الاضطراب في المنطقة. وما يحدث عبر الشرق الأوسط ربما لا يكون في قوة الحربين اللتين استعرتا في أوروبا في القرن الماضي، لكن حان وقت النظر إلى هذه الصراعات المتشابكة على امتداد الشرق الأوسط باعتبارها حرباً عالمية.
وإذا كان للولايات المتحدة أن تلعب دوراً بناء، فسيكون من الأفضل البدء بحشد جهود دولية واسعة النطاق تضع أساساً لنهج شامل لحسم الأزمات المتشابكة التي تمزق الشرق الأوسط حاليا. والهدف الآني من هذا المسعى يتمثل في الدعوة إلى مؤتمر سلام دولي تشارك فيه كل الأطراف المتورطة تحت رعاية الأمم المتحدة. والبند الأساسي في قائمة أولويات هذا المؤتمر يتعين أن يكون إقامة إطار عمل إقليمي على غرار «منظمة الأمن والتعاون في أوروبا»، مما يوفر لكل الدول منبراً للحوار لمناقشة ضمانات الأمن الإقليمي، بالإضافة إلى التزامات بعدم التدخل وعدم العدوان. ويتعين أيضاً وضع أساس للتجارة والاستثمار الإقليميين للمساعدة في تعزيز التكامل الاقتصادي والرخاء.
وسيكون من الضروري انبثاق جماعات عمل عن المؤتمر الدولي يعالج فيها كل المشاركين القضايا الإقليمية المهمة. وعلى سبيل المثال، سيتعين إجراء مناقشات مكثفة عن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني والحروب المستعرة في سوريا واليمن وليبيا والتخلص من أسلحة الدمار الشامل، والدور الذي لعبه التطرف الديني الطائفي في تفاقم الأزمات. ومثل هذا النهج، سيكون صعباً وسيرفضه سريعاً المتشددون في بعض الدول. لكن مزاياه أفضل من مزايا الحلول البديلة.
وكل صراع من هذه الصراعات يتورط فيه قوى إقليمية متنافسة، ولذا ستظل الأوضاع في حالة أزمة إذا تعاملنا معها بطريقة التجزئة، وعالجنا كل صراع كما لو أنه مجرد نتاج اضطراب إقليمي. لكن النهج الشامل الذي اتبعته الدول دائمة العضوية الخمس في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا يمثل استغلالاً أفضل بكثير لقوة ونفوذ هذه الدول مجتمعة ثم التركيز على كل مشكلة. وتبني رؤية سلمية في الشرق الأوسط تقنع الشعوب لدرجة يمكنهم فيها استبصار احتمالات مستقبل واعد، ربما يمثل نهجاً يحفز زعماء المنطقة وقادة الرأي فيها للمطالبة بتغيير في المسار بعيداً عن الانحدار الحالي.
وتخبرنا استطلاعاتنا للرأي أن شعوب الشرق الأوسط يريدون وحدة إقليمية واستثمارات إقليمية في المستقبل تحقق السلام والرخاء. لقد شبعت هذه الشعوب حروباً وصراعات وتريد الآن وظائف مستقرة وتعليم ورعاية صحية ومستقبلاً أفضل لأطفالهم. وقد حان وقت الإنصات إليها.
*جيمس زغبي: رئيس المعهد الأميركي العربي- واشنطن
*نشر في جريدة “الاتحاد الإماراتية”