يستاهل البرد من ضيع دفاه
يستاهل البرد من ضيع دفاه.. مثل يمني يعبر عن سخط الشارع للسياسيين الذي تركوا قضيتهم الوطنية، وقبلوا العمل كموظفين مع الخارج وبعض دول الإقليم، وهم يدركون ان الخارج وتلك الدول بعينها، كانت ولازالت مصدر مصائبنا.
في ذلك الإقليم دول محترمة، تحترم سيادتنا واستقلالنا، وتقدم الدعم منذ سنوات دون ضجيج وتعظيم من حجم الدعاية، فاخترنا ما هو أسوأ، فساءت أحوالنا.
أساة تعظمت فيها مصائبنا، وتعقدت علاقاتنا ببعض، لأننا تركنا واقعنا، ووطننا، (ارضنا والفضاء الذي يجمعنا)، تركنا انتمائنا، تركنا اصحابنا واحبتنا وشركائنا في وطن وجغرافيا، وتخطينا حدود التاريخ والاصالة وقفزنا لمكان آخر، نبحث عن انتماء آخر وفضاء آخر، نبحث عن هوية وصحبة وداعم لقضايانا الصغيرة، فأصابتنا المهانة، إصابة بليغة لحد اننا نكابر بالشعور بها، نكابر لأجل نغيض بعضنا بعض، وها نحن اليوم في أسوأ حال ومهانة.
يبرز السؤال هنا لماذا عجزنا على ان نكون محترمين في خلافاتنا واختياراتنا؟
الاجابة أننا عاجزون على ان نستوعب الاختلاف، وإدارته كنعمة لا نقمة، وكلما تمكن أي منا من امتلاك القوة سيطر على السلطة والثروة، وعمل على جعل سلطته هي الدولة وهي المؤسسات وهي القرارات التي تخص الجميع، وبذلك يكون قد أسس له نظام يحميه من الاخر، ودولة تخدم اهوائه ومزاجه وشكوكه ونواياه تجاه الآخرين، بالضرورة ان يقوم بعملية المطاردة والاجتثاث، والعنف والانتهاك والقتل والحروب.
النعمة ان الاختلاف ظاهرة صحية، إذا جعلنا منها جسر للتواصل بين أفكارنا، تفتح مساحة واسعة لبلورة تلك الأفكار، وفرزها بما يخدم الصالح العام وفق مبدأ الحق وإزهاق الباطل.
ونقمة ان يتحول الاختلاف لحالة مرضية عندما تسيطر السذاجة على بعض ويرون انهم وحدهم اصحاب الحق، ويملكون مفاتيح ذلك الحق، وغيرهم مدان ومتهم وليس له الحق حتى في الدفاع عن نفسه وتبرئتها.
وبهذه العقلية نعيش في وطن تتقاذف به الامزجة، أفضل ما فيه نظام دكتاتوري عسكري، استطاع ضبط إيقاع الحياة بالقوة الغاشمة، وإخضاع الآخر وكسر إرادته، وأسوأ ما فيه نظام تكون من مجموعة من المصالح والارتزاق، نشأ ليكن وكيلا لإذلال امة، يدار بواسطة استخبارات خارجية، عاجز على ان يضبط إيقاع الحياة، يتكون من تشكيلات لا وطنية لا علاقة لها بفكرة الدولة وثقافتها، على شكل عصابات اعدت خصيصا للعبث، باصطفاف جهوي اثني يرفض الدولة والمؤسسات، وكل ما يتعلق بالوطنية والانسانية.
كل هذا وخطابنا لا يعبر عن مكنوناتنا، نتحدث عن التصالح والتسامح، ونحن عاجزون على ان نتصالح مع أنفسنا، ومن لا يتصالح مع ذاته صعب عليه ان يتصالح مع الشريك، نتحدث عن العدالة، ونحن غارقون في الانتهاكات والظلم والتعسف وقهر الاخر وإهانته، نتحدث عن خرق الدستور والتوافقات، ونحن الخارقون والخارجون عن النظم والقوانين، نعيش حالة من التناقضات الغبية، التي تفضحنا، وجعلت منا مجرد أدوات صراع إقليمي ومعارك عبثية، نقدم شبابنا وقود لتلك المعارك، فضعنا واضعنا أعمدة المستقبل.
ولا تبنى الأوطان بالشعارات والخطاب المفرغ من صداه على الواقع والأرض، تبنى الأوطان بالقيم الإنسانية واخلاقيات البشر، بالعلاقات والشراكة الحقيقية، لا رهان على كاره، وعنصري بغيض، وشاتم وكثير اللعن والتذمر والإحباط والاتهام والتكفير، مثل هولا علة وعال على الوطن والمجتمع.
تبنى الأوطان بتكاثف الجهود، وشراكة حقيقية ومنضبطة بعقد اجتماعي متوافق عليه (الدستور)، هذا الانضباط ضرورة الحفاظ علية لتبقى الدولة، دولة كيانها وشخصيتها الاعتبارية والقانونية، تخفف من حدة الصراع على السلطة، والحسم باقل التكاليف، وتضمن عدم الانفلات القيمي والأخلاقي، ضمانة وطن يستوعب كل أبنائه، ويضمن لهم كرامتهم، وطن ضامن للمواطنة المتساوية بكل مناحي الحياة، ومن يريد ان يكون فوق الدستور والقيم والاخلاقيات والحق، يصطدم بواقع يقاومه حتى يستقيم عوده، وان انتصر مؤقتا، انتصار مشحون بغضب وغيض الناس, لن يستمر طويلا يتفجر ذلك الغضب لينتشله لمزبلة التاريخ .
تبنى الأوطان بالاحترام والمحترمين، والسعي لبناء دولة محترمة تحترم الآخر وتصون حقوقه وحقه بالحياة، بمبدأ الاختلاف لا يفسد للود القضية، عبارة وعي يدركها كل من يستوعب انه لا يملك الحقيقة الكاملة وليس له الحق الكامل, يستوعب ان الحقيقة ناقصة بدون رأي الآخر، إذا ملك جزءا منها والجزء الآخر سيجده عند الطرف الآخر، لأن وحده لا يملك القدرة على ان يرى الأشياء كما هي، يراها من زاويا منكسرة ببعض النزعات، ومنفرجة ببعض الطيش، ومقيدة بصورة ذهنية مشحونة ايدلوجيا وعصبيا، وتطير في هواء من الحماس الذي يدفعه أحيانا لزاوية مظلمة أو مشمسة لحد العمى، واحيانا يقف امام الحقيقة ما يحجب الرؤية، من ضبابية العنف والتعصب التي تحيط به وتمنعه من الرؤية كما يجب، فيعوم في مستنقع ضبابي، ويسير خلف ركب باغي، كورقة هشة تتقاذفها رياح الواقع، عاجزة عن مقاومة ذلك الواقع الذي يصطدم مع تطلعاتها وحقها بالحياة ويوفر لها الحق والعيش الكريم.
إذا أردنا دولة محترم، يجب ان تكون لنا اختيارات محترمة، تحترم عقول وتطلعات الناس، وتحترم الاخر والثوابت الوطنية والسيادة والإرادة لوطن يستوعب كل أبنائه.