انتهى عام غير متوقع شهد أزمات وجائحة واستقطاباً. وهناك أسباب للتفاؤل بعام 2021، ليس أقلها أن العالم بدأ ينفذ أول مراحل خطط توزيع لقاح فيروس كورونا. لكن الصورة الأكبر قد تكون كئيبة إلى حدٍّ كبير. وفي الأيام القليلة الماضية بدأ العقد الجديد رسمياً. وها هنا، أرصد ثلاثة محاور قد تحدد شكل السنوات المقبلة.
أولاً: التغير السكاني: فقد توقعت دراسة للأمم المتحدة عام 2015 أن يبلغ عدد السكان 8.5 مليار نسمة في عام 2030، أي بزيادة 15% في عدد أفراد البشر في 15 عاماً فحسب. والهند ستحتل مكانة الصين كأكثر دول العالم سكاناً. ويتوقع خبراء زيادة كبيرة في سكان دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التي ستصبح قريباً أكثر المجتمعات شباباً في العالم. وعدد المدن العملاقة سيتضاعف بنهاية العقد مع عيش 66% من سكان البشرية في المراكز الحضرية. وبالإضافة إلى هذا سيصبح أكثر من مليار شخص على الكوكب فوق 65 عاماً، وفقاً لدراسة مولتها المعاهد القومية للصحة. وهذا يرجع إلى ارتفاع معدل العمر المتوقع وتحسن مستويات المعيشة حول العالم. لكن تقدم العمر بسكان العالم لن يكون في الغرب وحده بل في آسيا وأميركا اللاتينية أيضاً وسينطوي على معضلة سياسية حقيقية.
وتجد الحكومات الأوروبية صعوبة في التعامل مع مستقبل تشكله الكلفة المرتفعة لرعاية المسنين وعواقب تقلص عدد السكان وتقلص قوة العمل. والحلول السياسية لهذه التحديات طويلة الأمد ربما تتضمن تشجيعاً على المزيد من الهجرة لشغل الوظائف وإضعاف الحماية الاجتماعية لتحفيز إنتاجية العمال.
ومن شبه المؤكد أن القلق السكاني سيسير بإيقاع أسرع في الحياة السياسية في الغرب. فعلى جانبي الأطلسي، تنظر حركات اليمين المتطرف إلى مناهضة الحركة النسوية، باعتبارها دعوة حشد في وقت تتقلص فيه معدلات المواليد.
ومن المقرر أن تحاول الصين تحويل اهتمام الاقتصاد إلى خدمة السوق المحلية بعد سنوات من انتعاش مدعوم بالتصدير. وفي غضون عقد، ربما نعرف إذا ما كانت تخمة الهند بالشباب- أكثر من نصف السكان تقل أعمارهم عن 25 عاماً- ستصبح خيراً أم شراً على البلاد. فأكبر ديمقراطية في العالم تجد صعوبة في تزويد عدد سكانها الهائل من الشباب بتعليم ورعاية صحية ووظائف ملائمة.
ثانياً: تفاقم تغير المناخ: يمثل عام 2030 مرحلة انتقال محورية للمنظمات الدولية وعلماء المناخ الذين يحذرون من عواقب تغير المناخ. فقبل عامين، حذرت «الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ» التابعة للأمم المتحدة من أنه دون تقليص كبير غير مسبوق في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مدار العقد التالي، سيجد العالم نفسه على حافة كارثة مناخية. والدراسات التالية أشارت إلى أنه حتى إذا تم تحقيق مطالب نشطاء المناخ، فلن يتم رصد أي تأثيرات يعتد بها قبل عقود. لكن هناك أسباب للأمل. فقد تبنى عدد كبير من الحكومات خططا طموح لانتقال اقتصادياتها إلى الحياد في الكربون. وإدارة بايدن الجديدة تعتزم تعزيز الزخم لجهود المناخ العالمية التي تخلى عنها ترامب. وأعلن الرئيس الصيني شي جين بينج في ديسمبر الماضي اعتزام الصين تقليص انبعاثاتها من الكربون 65% عما كانت عليه عام 2005 بحلول عام 2030. ويتوقع المنتدى الاقتصادي العالمي مستقبلاً في عام 2030 تصبح فيه المراكز الحضرية مناطق تكثر فيها شوارع المشاة وتقل فيها الحاجة لامتلاك السيارات بفضل التكنولوجيا، ويتقلص فيها عدد الناس الذين يتناولون اللحوم ويتنفس فيها الناس هواء أنظف وتهيمن فيه الطاقة النظيفة من المصادر المتجددة على قطاع الطاقة.
وهذه رؤية وردية. لكن طلب الطبقة المتوسطة الصاعدة في العالم النامي قد يمثل تحديا لمساعي تقليص الكربون بينما قد يدعم التشكيك في تغير المناخ طائفة من جماعات الجناح اليميني في الغرب مع تبني خصومهم للسياسات الخضراء. وذوبان الثلوج في القطب الشمالي قد يفتح طرقا جديدة للتجارة ومجالات للاستكشاف ويشعل حقبة جديدة من التنافس الجيوسياسي بدلاً من أن يمثل تحذيراً للعالم. والعلماء يتوقعون زيادة في عدد حوادث المناخ المتطرفة التي تدمر العالم وتزعزع استقرار المجتمعات المحتمل تضررها.
ثالثا: فوضى أساليب الحكم في العالم: فقد غير العقد الماضي وجهة نظرنا في السياسة العالمية. فقد انتهى منذ أمد أي يقين ثابت بشأن الديمقراطية الليبرالية. والدول أحادية الحزب مازالت منتعشة بينما تمثل الشعبوية وقومية اليمين المتطرف قوى فاعلة في كثير من ديمقراطيات العالم الكبيرة. وجماعات حقوق الإنسان تحذر من تآكل الديمقراطيات التي كانت سليمة ذات يوم ومن التهديدات الجديدة للحرية والخصوصية بسبب الرقابة الرقمية من الحكومات على الأفراد.
وأفسحت رؤى نظام عالمي ليبرالي نشط الطريق أمام العودة إلى المنافسة بين القوى العظمى. وهذا يتضمن سباقات جديدة في البحث العلمي واستخدام التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي الذي من المتوقع أن يضيف نحو 16 تريليون دولار للاقتصاد العالمي بحلول عام 2030. فالصين ضخت موارد هائلة في قطاعها التكنولوجي وهناك جدل بأنها ستتقدم طريق تطوير وتطبيق تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي في ميزة سيكون لها تداعيات سياسية كبيرة. فقد أشار تقرير في الآونة الأخيرة لمعهد بروكينجز إلى أن «من يتزعم الذكاء الاصطناعي في عام 2030 سيحكم العالم حتى عام 2100». ويأمل الليبراليون في الغرب أن تبدد التحديات الكبيرة للعقد الجديد- وجميعها بحاجة إلى تعاون وتنسيق دوليين- قومية الحاضر الغاضبة.
وقد نشهد اضطرابات أخرى، فالاستقطاب الحالي في الولايات المتحدة، المتجسد في رفض ترامب وحلفائه قبول نتائج انتخابات نوفمبر، قد يمهد لأزمة دستورية أسوأ في السنوات القليلة المقبلة. ومشروع الاتحاد الأوروبي للتكامل قد يتوقف أو ينهار بسبب الأزمات المالية والمشاعر الشعبوية. وفي أفريقيا، مازال التعثر من نصيب خطة تمس الحاجة إليها وتحظى بإشادة كبيرة لإقامة منطقة تجارة حرة تكاملية في القارة.
*عن “الاتحاد الإماراتية”
* كاتب متخصص في الشؤون الخارجية
*ينشر بترتيب خاص مع «خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»