اليمن وكارثة المحاصصة
في بلدي اليمن قدرنا ان نبقى ضحايا لسلطات تأتي عن الطريق المحاصصة، نخوض معارك بعناوين الحرية والاستقلال والمواطنة، وينتهي بنا المطاف لسلطة محاصصة طائفية ومناطقية وفي أحسن الأحوال أيدلوجية.
محاصصة يتصدر مشهدها قوى العنف وأدوات الصراع والحروب، وقوى العنف إن اختلفت دمرت الوطن، وان اتفقت نهبت خيراته، وفي كل الأحوال ضحيتهم المواطن والوطن معا.
محاصصة تختار ادواتها بعناية، على أسس طائفي ومناطقي، أو حزبي وأيدلوجي، وفي معظمهم يستندون على نفوذ عسكري وقبلي وحزبي ودعم خارجي، يستندون على القوة والمال، القوة تبحث عن السيطرة والتمكين، والمال يبحث عن الاحتكار والابتزاز، وفي الحالتين تتفوق المصالح الضيقة والانانية، عن الصالح العام وهم الوطن والمواطن.
بلد مصاب بلعنة المحاصصة، حتى في ظل التجربة الديمقراطية، تتمخض نتائجها المحاصصة القوى السياسية الحاصلة على الأكثرية من الأصوات، والبدء في صناعة تكتلات احتضان القوى الأخرى، وزج بها في صراعات عبثية، تعطل نتائج التجربة الديمقراطية، وتعود بالبلد لواقع الصراع والمصالح الضيقة.
ومن كوارث المحاصصة هو الانقسام الداخلي، والتحالفات الغير وطنية والتجاذبات، والفرز على أسس مع وضد، السلطة وخصوم، فرز يدمر مبدأ الشراكة، تتفوق فيه المصالح الضيقة على الصالح العام، ويجد الخارج فرصته دعم طرف ضد آخر، مستثمر تلك الانقسامات وحالة الفشل العام.
منذ ان وعينا المعترك السياسي، ونحن شهود على تشكيل عدد من الحكومات، وفي مجملها محاصصة تخلو من معيار الكفاءة، حتى في مسمى حكومة الكفاءات، حيث لا يستطيع رئيس الوزراء اختيار فريق عمله بعناية فائقة وفق الكفاءة، يأتي الاختيار نتيجة لواقع المحاصصة المفروض على الجميع، تشكيل سلطوي يستهدف الطرف الاخر الشريك، المصنف خصم، ومعظم الحكومات بدأت عملها وهي تحمل العصا لمن عصى، تستهدف دور فئات وجماعات وافراد، تقصي وتهمش, وجدت في أفكارهم ومشاريعهم ما يهدد بقائها في السلطة، وانتزاع حقهم في المعارضة، مما يغلق مساحة الحرية والرأي، ويفتح مجال للصراع عن السلطة والثروة ,صراع يتخمر في ظل المحاصصة, ويتفجر في وجوه الناس بعد فترة وجيزة، في كل محاصصة ننتظر بقلق حالة التفجير.
في الحالة الصعبة التي يمر بها البلد اليوم، هو بأمس الحاجة لتشكيل حكومي مبني على الشراكة والكفاءة والتخصصات، يساهم بفعالية في نزع فتيل الصراعات والنزاعات، تشكيل منقذ للبلد مما أصابها ويصيبها، ولن يكون منقذا دون ان يكون واقعا على الأرض، فاعلا فيها، مبيد لفيروسات الفساد والإرهاب الفكري والروحي والسياسي، يحد من قوى العنف المنفلتة التي تحمي تلك الفيروسات، قوى العنف التي تحمي الباسطين والناهبين والقتلة والمجرمين، نحتاج تشكيل حكومي ضابطة لإيقاع الحياة بنظم وقوانين ودستور كعقد اجتماعي متوافق عليه، يحد من حالة الانقلابات وحاضنتها، يحد من حالة النفوذ المهيمن والمتسلط وحالة الاستحواذ والاستئثار، والاقصاء والتهميش والظلم والتعسف والانتهاك، تشكيل يرسخ العدال والمواطنة والحرية والمساواة.
نحن بحاجة اليوم لتشكيل حكومي يقود معركة السيادة والإرادة على الأرض، يستعيد القرار والاستقلال، ويحرر البلد من الارتهان والتبعية، ويوقف المعارك العبثية، ويستعيد مصادر الثروة والدخل القومي، مصادر إيراد المال العام، من ايادي العابثين، لتغذي خزينة الدولة، لتكن مصدر تمويل موازنة عامة، تنهي حالة التسول والارتهان للدعم الخارج، ويحقق الاستقلال الذاتي لسلطة القرار السياسي والاقتصادي، ليتحقق الاستقلال والاستقرار العام، ومن ثم السلام.