دلالات زيارة “ولد الشيخ” إلى “عدن” اليمنية
وصول المبعوث الأممي لليمن، إسماعيل ولد الشيخ، إلى محافظة عدن، جنوبي البلاد، في أول زيارة له للمحافظة منذ تعيينه بمنصبه في أبريل/ نيسان الماضي، رسالة ايجابية على تحسن الوضع الأمني هناك عما كان عليه الحال قبل عودة الرئيس “عبدربه منصور هادي”، بغض الطرف عن بعض حوادث الاغتيال، وأعمال العنف التي تحصل هنا وهناك.
يمن مونيتور/ تقدير موقف/ من مأرب الورد
وصول المبعوث الأممي لليمن، إسماعيل ولد الشيخ، إلى محافظة عدن، جنوبي البلاد، في أول زيارة له للمحافظة منذ تعيينه بمنصبه في أبريل/ نيسان الماضي، رسالة ايجابية على تحسن الوضع الأمني هناك عما كان عليه الحال قبل عودة الرئيس “عبدربه منصور هادي”، بغض الطرف عن بعض حوادث الاغتيال، وأعمال العنف التي تحصل هنا وهناك.
لا يهمنا ما يحمله “ولد الشيخ” للرئيس ولا أجندة زيارته كونها معروفة وتأتي في إطار التحضير لعقد محادثات “جنيف2” المزمع انعقادها منتصف الشهر الجاري، ولكن الأهم برأيي هي العودة التدريجية للأمن والاستقرار بعدن التي اقنعت مبعوثاً أممياً رفيعاً بزيارتها وهو من رفض ذلك من قبل، تحت مبرر خطورة الوضع الأمني.
لا شك أن بقاء الرئيس “هادي” هناك وعدد من الوزراء الذين يمارسون أعمالهم واستئناف العمل بمطار عدن يؤكد أن هناك تغييراً أمنياً قد تحقق بفضل تعاون الجهود بين المخلصين من المقاومة ورجال الأمن والقوات السودانية والإماراتية هناك.
عدن لا يليق بها إلا النظام والمدنية والسلام، وهذا ما يجب أن يعمل الرئيس وحكومته على تحقيقه بمنع المظاهر المسلحة وتنظيم حمل السلاح وتسريع دمج أفراد المقاومة في الجيش والأمن وإعادة العمل بمراكز الشرطة والأمن، لتقوم بدورها وصولاً إلى محاربة كل الخارجين عن النظام والقانون.
ينبغي التعاطي الإعلامي بحذر ومسؤولية وموضوعية في تناول ما يجري هناك خاصة نشاط جماعات العنف المتطرفة بما لا يغيب عبثها وخرابها ولا يضخم حجمها وتصوير الأمر وكأن الساحة خالية لها، ونتجاهل أن رئيس الدولة وكبار مسؤوليها هناك وحركة الملاحة الجوية تسير للأمام والمحافظ يعمل على الأرض لاستعادة الأمن وتوفير الخدمات.
التفسير المنطقي والمقبول للاختلالات الأمنية أو ظهور الخارجين عن القانون أيا كان انتماؤهم وتوجهاتهم يقودنا إلى التشخيص الدقيق للمشكلة، وهي أن غياب الدولة أو ضعف سلطتها لاسيما أثناء الحروب كحالنا اليوم، يؤدي بشكل طبيعي لظهور جماعات العنف التي لا تنشط ولا تظهر إلا بهذه الفراغات وغياب القوة لمواجهتها.
عدن وبقية محافظات الجنوب تعيش مخاض ما بعد التحرير، وهي فترة معروفة بتحدياتها الأمنية الكثيرة، فكيف لمّا تكون هدفاً للمعتدين المهزومين فيها الذين خرجوا بتضحيات المقاومة والجيش الوطني وليسوا مرتاحين لتركها تستعيد عافيتها في كل المجالات، وسيحاولون عبثاً عبر أذرعهم وخلاياهم ديمومة الفوضى والفراغ.
وهذا لا يعني – كما أسلفنا – تبرير ما يجري والتسليم به كقدر من باب إخلاء المسؤولية عن الرئيس وحكومته في استعادة الوضع وتغييره، بقدر التذكير بظروف ومراحل التحول أثناء التحرير وهي تجارب متشابهة في أغلب دول العالم التي شهدت حروباً داخلية.
لا يختلف الحال كثيراً عن تفسير ظهور جماعات العنف التي هي وريث الفوضى وغياب الدولة ومن يتتبع تاريخها سيجد أنها لا تنشط وتتمدد إلا بالفراغ المفتوح الناجم أصلاً عن غياب الدولة بما تمثله من مؤسسات وقوات جيش وأمن وأجهزة استخبارات.
ولمواجهة هذه التحديات بما فيها خطر جماعات العنف والإرهاب بكل أشكاله، يقتضي أولاً وقبل كل شيء استقرار الرئيس وحكومته باعتبارهما يمثلان الدولة والسلطة الشرعية في الداخل اليمني بالمحافظات المحررة والخاضعة لسلطتهما، وهذه هي الخطوة الأولى لإحلال السلطة الشرعية مكان الفراغ، وإنهاء حالة الغياب الناجمة عن تواجد قيادتها بالخارج.
على أن تكون الخطوة الثانية إجراء تغيير سريع وجذري في الجهاز الأمني بما يعيده للفاعلية ويمكنه من القيام بدوره في ضبط الأمن وتحقيق الاستقرار، ويمكن لوزير الداخلية الجديد وهو جنوبي، أن يلعب دوراً كبيراً في هذا المجال.
لا نقلل من حجم التحديات والتركة الثقيلة لما خلفته الحرب من انهيار لمؤسسات الدولة خاصة الأمنية، لكن وضع الملف الأمني في أولويات الإصلاح العاجلة سوف يساهم في تغيير الواقع وتوفير البيئة المناسبة للإعمار واستقرار الحكومة وعودة البعثات الدبلوماسية إلى عدن.
بعض المراقبين يعتقدون أن الانقلابيين هم المستفيد الأول من تضخيم حجم جماعات العنف في الجنوب وخاصة في عدن مقر إقامة الرئيس وحكومته لتأكيد مزاعمهم التي ساقوها لتبرير اجتياح هذه المحافظات وإخضاعها لسيطرتهم بالقوة.
بل أن هناك من يذهب للقول إن “صالح” هو من يدعم هذه الجماعات نظير خبرته السابقة التي كشف خيوطها تقرير لجنة التحقيق الأممية لاستخدامها كأوراق لتسويق نفسه وحلفائه الحوثيين للخارج كشركاء في محاربة الإرهاب.
ولذلك لن نستغرب عودة ظاهرة الاغتيالات بقوة في عدن بعد فترة هدوء مع استثمار إعلامي لتقديم الجنوب ليس كجغرافيا وإنما كمناطق محررة وخاضعة لسيطرة السلطة الشرعية على أنه بؤرة للإرهاب وساحة لجماعات العنف لإيهام الخارج خاصة أمريكا، أن البديل هو الإرهاب وأن الانقلابيين كانوا على حق حين برروا دخولهم بوجودها وهي مغالطة مفضوحة لأنهم جاءوا لإخضاع الجنوب مثل غيره لحكم الانقلاب لا أقل ولا أكثر.