ليالِ السجن: ليلة القلم
هي ليلة مظلمة، وليست عادية بالنسبة لي وللصحافيين الآخرين المعتقلين في سجن الحوثيين. إذ تقشرّت جلودنا ضرباً وركلاً قبل أن نوضع في الزنازين الانفرادية.
منع السّجانون الحوثيون حصولنا على أي قلم، وكانت التحذيرات تمتد إلى العنابر الأخرى بعدم تسليم الصحفيين أي قلم. حصل زميلنا “حسن عناب” على قلم تم تهريبه في الخبز ووصل إلينا. علّم “يحيى سريع” (قيادي حوثي) بحصولنا على قلم فجاء غاضباً مع السجانين الأخرين لتبدأ ليلة من التعذيب الشديد.
تم أخذي والصحافيين عصام بلغيث وهشام طرموم وهشام اليوسفي وصلاح القاعدي وحارث حميد إلى “الشماسية” حيث التعذيب. ضُربنا بالعصي والركل حتى شعرنا بتكسر العظام وتقشر الجلود. وأمرنا “يحي سريع” بالشقلبة ووضع أمام رؤوسنا سجانين وخلفنا سجانين بعصي المكانس، ومطاطية، كانت مليشياته تتربص بنا وتقوم بركل وضرب من يتأخر عن “الشقلبة”، وتناقلت عصاه المؤلمة لتضرب أجسادنا شبراً شبراً، وداس على وجوهنا مراراً.
قال “يحيى سريع” -ونحن نتوسل إلية بالرحمة والشفقة-: “الإنسانية عندي صفر على الشمال”. في ذلك الوقت تمنيت أن تكون صفراً بالفعل لكنني أظنها معدومة بالمرة.
درّب “سريع” قواه الخبيثة على معتقلين مدنيين عُزل، لا حول لهم ولا قوة. وبينما كان يبتدع أساليب جديدة في تعذيبنا كان أفراد المليشيا يصفقون من حوله “رائع”، “رائع”، “أعدت هيبة السجن”!
من ماذا أعادها؟! ولأجل ماذا؟!، من أجل قلم! لو كنا وفرنا من الدماء التي سالت منا أثناء التعذيب لكَتبت أكثر بكثير من الحبر الموجود في القلم.
لم يكتفي يحيى سريع بتعذيبنا فقط بل أنزلنا إلى السجن الانفرادي. وتفرغ ل”حسن عناب” وتم تعذيبه بشدة إلى قبل الفجر في الجهة المقابلة، وغاب عن الوعي.
“حارث حميد” هو الأخر استبقاه في الانفرادي بعدما أعادنا للزنزانة، ووجه له “اللطم” على الوجه كثيرا، ووضعه في الانفرادي ثلاثة أيام بلا فرش، ولا لحاف، بملابسه الداخلية فقط.
حصولنا –أي الصحفيين المعتقلين- على قَلم وإخفاءه كان كابوس الحوثيين.
حكايات الحصول على القلم وإخفاءه مضحكة، ومذهلة، ومؤلمة. في “تراجيديا” مضحكة يصبح معها الحوثي عدو القلم إن لم يسطر حرفاً واحداً يتملق سيده.
هذه ليلة واحدة من قرابة ألفي يوم في سجون الحوثيين.
وإلى لقاء قادم،،
*هيثم الشهاب: صحافي يمني، أمضى 2000 يوم في سجون الحوثيين منذ اعتقاله في يونيو/حزيران 2015 برفقة ثمانية صحافيين أخرين. وخرّج من السجن ضمن صفقة رعتها الأمم المتحدة لتبادل الأسرى والمعتقلين بين الحوثيين والحكومة الشرعية اليمنية في أكتوبر/تشرين الأول 2020م.