مرت الذكرى الـ48 لعيد الاستقلال المجيد الـ30 من نوفمبر، في سماء اليمن بشحوب ممزوج بالأسى، وسط ضجيج البعض الذين احتشدوا في ميدان الشابات، وهو التحوير العدني الجميل للتسمية الإنجليزية لهذه الساحة الـ SHOPS (محلات تجارية)، والتي تحولت إلى ميدان للعروض انعكست عليها على مدى السنوات الماضية، إخفاقات الدولة التي جاءت بعد رحيل الاستعمار البريطاني من مستعمرة عدن. مرت الذكرى الـ48 لعيد الاستقلال المجيد الـ30 من نوفمبر، في سماء اليمن بشحوب ممزوج بالأسى، وسط ضجيج البعض الذين احتشدوا في ميدان الشابات، وهو التحوير العدني الجميل للتسمية الإنجليزية لهذه الساحة الـ SHOPS (محلات تجارية)، والتي تحولت إلى ميدان للعروض انعكست عليها على مدى السنوات الماضية، إخفاقات الدولة التي جاءت بعد رحيل الاستعمار البريطاني من مستعمرة عدن.
حاول هذا البعض باستماتةٍ أن يُظهر هذه المناسبة، كمناسبة خاصة بالجنوبيين، متناسياً أن استقلال الجنوب، تم على وقع أحداث لم تكن تتقيد بالحدود بين شطري اليمن.. فقد اتخذت بريطانيا قرارها بالانسحاب من مستعمراتها الشرقية، وبينها مستعمرة عدن، وكانت أكثرَ حرصٍ على تجنب التأثيرات التي جاءت بها ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المدعومة من الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر في شمال اليمن، حيث أطاح الثوار بالملكية الإمامية الكهنوتية البغيضة.
فالزخم الثوري الذي عبرت عنه نخبة مستعمرة عدن، والتي كانت تعكس في تركيبتها الهوية اليمنية الشاملة، تولَّدَ من رحم التأثير الهائل للثورة المصرية وللإعلام الذي كان يحرض على الاستعمار ويدفع بسكان المستعمرات إلى الانتفاضة ضد الاستعمار البريطاني.
تبادلت مصر وبريطانيا التأثير في المشهد اليمني بشماله وجنوبه، حيث عملت بريطانيا على إجهاض مشروع الثورة المدعومة من مصر في الشمال، واشتركت في حلفٍ إقليمي ودولي، ونجحت بريطانيا بالفعل في إفساد الثورة عبر هذا الحلف.
وبالمقابل استطاع عبد الناصر أن يحرك الشارع في عدن ويقوده إلى ثورة انتهت بخروج آخر جندي بريطاني، فيما دل ضمن مؤشرات عديدة على أفول نجم الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس، لكن هذا الاستقلال لم يكن كاملاً كما سيأتي لاحقاً.
فقد هندستْ بريطانيا بخبثٍ لمستقبل الدولة التي ستأتي بعد رحيلها بعد أن فشلت في إقناع النخبة العدنية لاستلام عدن وقيادة دولة تستفيد من حالة التطور والازدهار اللذين عاشتهما مستعمرة عدن وتكون أكثر ارتباطاً بالمعسكر الغربي، ولكن نخبة عدن ممثلة في جبهة التحرير رفضت، فكان أن نسقت الحكومة البريطانية مع تنظيم مسلح ذي ميول يسارية هو الجبهة القومية الذي انفرد بالتفاوض مع الاستعمار وقبل بأقل الشروط لإنجاز هذا الأمر.
وقد كان من المؤشرات المبكرة السيئة للهندسة البريطانية الخبيثة لمشهد اليمن الجنوبي بعد الاستقلال، هي بروفا الصراع الأهلي الذي شهدته عدن لعدة أيام قبيل الاستقلال مباشرة، ليؤسس لدورات صراع لم تنقطع أبداً وساهمت إلى حد كبير في نخر الدولة الجنوبية من الداخل.
لسنا بحاجة إلى الحديث عن واحدية الثورة اليمنية، قدر حاجتنا إلى البحث في مظاهر التأثير والتأثر، التي تجعل مصير الشعب اليمني مشتركاً وتفرض ضمن الحدود الدنيا علاقة أقلها إنه يصعب على أي من مكوني هذه الجغرافيا أن يوصد أبوابه في وجه الآخر.
وبالتأكيد هي عوامل لها علاقة بالجغرافيا وبالإنسان وبالحراك الطبيعي ضمن أفق جغرافي يشمل التكامل في كل شيء تقريباً بما في ذلك المناخ والأمطار والسيول والمراعي.
يعتقد أولئك الذين يبالغون في تخصيص مناسبة الـ30 من نوفمبر، وإظهارها كمناسبة جنوبية خالصة أن المستقبل سيكون جميلاً ومشرقاً، حينما لا يكون بوسع الجنوبي الذهاب بسهولة إلى صنعاء والشمالي إلى عدن.
في تقديري أن التناقضات التي تسكن في قلب المشهد الجنوبي، تُنبئ بمستقبل لا يبشر بالخير أبداً في ظل هذا الشتات وهذه التصورات المتصلة بالجنوب الذي يتوجب استعادته، وخصوصاً التصورات التي تريد أن تستعيد الجنوب ما قبل الاستقلال بكل ما يمثله من فسيفساء سياسية متناثرة على الخارطة الجنوبية المنهكة.
لا يكفي أن يومئ “أنور قرقاش” وهو وزير إماراتي بعبارات تتعلق بالاحتمالات الممكنة للحل بما فيها تلك التي قد تفضي إلى دولتين، لأن الأمر لا يتعلق بما تقوله هذه الدولة أو تلك بل بالممكنات الحقيقية لاستعادة جنوب متحد هادئ ومستقر، وهو حلم يبدو بعيداً جداً جداً..