لعنة الحروب وآثارها المدمرة لا تقتصر على موت الناس ودمار مساكنهم وضياع أموالهم وتسويد معيشتهم، وفقدانهم الأمن والطمأنينة فحسب، ولكنها تتعدى لتمزيق النسيج الاجتماعي وتعميق جراحات القلوب، ليس بين أطراف الصراعات وحدهم؛ بل مع كل شيء ينتمون إليه وينتمي إليهم، من فكر أو تاريخ أو قبيلة أو بلدة أو حتى حِرف وعَادات وأزياء وتقاليد لعنة الحروب وآثارها المدمرة لا تقتصر على موت الناس ودمار مساكنهم وضياع أموالهم وتسويد معيشتهم، وفقدانهم الأمن والطمأنينة فحسب، ولكنها تتعدى لتمزيق النسيج الاجتماعي وتعميق جراحات القلوب، ليس بين أطراف الصراعات وحدهم؛ بل مع كل شيء ينتمون إليه وينتمي إليهم، من فكر أو تاريخ أو قبيلة أو بلدة أو حتى حِرف وعَادات وأزياء وتقاليد.
فالحروب كما تهلك الأمور المادية وتضيع الأمور المعنوية، لأن أمراءها وأساطين زهوها وغرورها يستخدمون ما يمكنهم استخدامه في سبيل تحقيق طموحاتهم. فالدين على سبيل المثال وسيلة من وسائل الشحن والتحريض، وفيه يُستخدم النّفَس الطائفي وتستحضر شتى الخلافات الفرعية وتقدم على أنها جوهرية؛ بل يتم إنتاج خلافات وهمية تكون أكثر تأثيراً في الشَّحن والتحريض.
وحينما يُحشر الدين كأداة من أدوات الحروب (أولاً) يأخذ الفُرقاء (ثانياً) بسحب مسئوليتهم عن جرائمها ويلصقونها بالدين، ويحولون أنفسهم من سماسرة للموت ومثيرين للفتن ومنتفعين من المواجهات إلى حماة للدين المعتدى عليه من الدين المعتدي، وبدلاً من تقديمهم كمجرمي حرب ومفجري فتن؛ يقدمون على أنهم حماة الدين وحراس العقيدة. وهنا ينتقل الصراع من صراع على المصالح والنُّفوذ إلى صراع ديني، وحينما يصبح كذلك يُحشر فيه من لا شأن لهم بسماسرة الموت وأمراء الحروب؛ لكونهم أتباع دين معين وهنالك يصنفون شاءوا أم أبوا على أنهم خصوم لمجرد انتمائهم إلى ما ينتمون إليهم من دين أو طائفة أو مذهب.
وكذلك الحال بالنسبة للعناوين الأخرى مثل المنطقة والقبيلة والأسرة والفئة، فبمجرد أن يقع أحد من المنتمين إليها أو النافذين فيها في خصومة مع غيره على أي شيء وإن كان مما ليس لهم به علاقة، فإنه يأخذ في جرهم قليلاً قليلاً إلى مشكلته الخاصة وشيئاً فشيئاً يقتل هذا ويجرح ذاك، ويعتدى على آخر، فتتوسع دائرة النقمة وينداح ميدان المواجهات وتكثر جبهات الخصومة فتشمل سائر المنتمين إلى المنطقة أو القبيلة أو الأسرة.
وعندما تتفق الأطراف الأساسية في الصراع أو يحقق كل منهم غايته، فإنهم يبحثون عن تسوية تخرجهم من ورطتهم التي تكاد تقضي على جودهم فضلاً عن مصالحهم وتطلعاتهم، فإن المجتمع يكون قد تشظى، ونسيجه الاجتماعي قد تمزق وصارت الثارات والأحقاد فيه هي صاحبة الصوت ولها الصولة والجولة، وباتت ترى أن من يريد أن يمضي في صلح أو موادعة ما هو إلا مجرد خائن للقضية عميل للطرف الآخر.
وعلى مدى زمن طويل يظل الترقب والخوف والاستعدادات الخفية سارية المفعول، بما في ذلك تعميق المفارقات مع الآخرين وإحياؤها كلما كادت أن تموت، بهذا ترث الأجيال أحقاد الآباء والأجداد في قوالب ليس لها علاقة بها ويفترض أنها لا تعنيهم في شيء فقد بدأت نزوة واستمرت خديعة وانتهت وهماً كبيراً، يتم استحضاره وإيقاظه وقت الحاجة.
فالدين والقبيلة والمنطقة وما شابه ذلك لا مشكلة فيها ولا معها، ولكنها تستخدم كأدوات لسماسرة الموت وطواغيت كل زمان ومكان.