(آثار تستمر ربع قرن).. ما المخاطر المحتملة لانفجار أو تسريب مليون برميل نفط من “ناقلة منكوبة” قبالة اليمن؟!
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
منذ خمس سنوات كانت ناقلة النفط “صافر” التي تحمل 1.14 مليون برميل تتآكل ببطء في البحر الأحمر، كقنبلة موقوتة تنتظر الانفجار. وربما أنها تسرع في الذهاب نحو ذلك مع استمرار رفض الحوثيون وصول فريق من الخبراء لمعاينة الناقلة.
وتقع الناقلة قبالة ساحل رأس عيسى بمدينة الحديدة غربي اليمن، حيث يسيطر الحوثيون. والناقلة تقع على نهاية خط أنابيب نفط بطول 430 كم يمتد من مدينة مأرب. وحذر مسؤولون يمنيون ودبلوماسيون أجانب منذ سنوات من انفجار أو حدوث تسريب كبير للنفط من الناقلة يؤدي إلى كارثة بيئية وإنسانية ضخمة في اليمن، وسينعكس على ممر التجارة العالمي والدول المشاطئة للبحر الأحمر.
في سبتمبر/أيلول الماضي حذر السفير السعودي لدى الأمم المتحدة من أن “بقعة نفطية” شوهدت على بعد 50 كم غرب السفينة. ونشرت الحكومة اليمنية صورة بالأقمار الصناعية في الشهر التالي يشير إلى البقعة التي شوهدت، وتظهر كخيط طويل.
تفاقم حالة السفينة
السفينة تم تشييدها في عام 1976، وتم إرسالها إلى اليمن في عام 1988، وبحساب عمرها فإنها متهالكة بالفعل ومع ذلك لم تخضع للصيانة الدورية منذ 2015م، عندما تدخل تحالف تقوده السعودية دعماً للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً ضد المسلحين الحوثيين الذي سيطروا على السلطة والدولة اليمنية بما فيها معظم المحافظات، عقب سيطرتهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014وأجبروا الحكومة والرئيس اليمني على الفرار.
وفي يوليو/تموز الماضي دخلت مياه البحر إلى حجرة محرك الناقلة، مما تسبب في تلف الأنابيب وزيادة خطر الغرق. وقد غطى الصدأ أجزاء من الناقلة وتسرب الغاز الخامل الذي يمنع الخزانات من تجميع الغازات القابلة للاشتعال. ويتآكل هيكل السفينة بشكل سريع خلال السنوات الماضية –مع غياب الصيانة- حيث يقوم البحر الأحمر بعمله في هذا التآكل بسبب الملوحة العالية. وفي ذلك الوقت دعت إنغر آندرسون، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى التخلص من “خزان صافر” كأفضل خيار لمنع كارثة بيئية ممكن حدوثها.
في الأسابيع التالية كان وضع السفينة يزداد سوءاً، ففي سبتمبر/أيلول الماضي قال مصدر مسؤول في شركة “صافر” –المشغلة للناقلة- لـ”يمن مونيتور”: إن السفينة دخلت مرحلة الخطر فعلاً مع “احتمال انفجار أو تسريب وشيك”. مضيفاً أن “إمكانيات شركة صافر لمحاولة صيانة السفينة العائمة متواضعة مع دخول مياه البحر إلى عدد من حجراتها. لذلك فإن البدائل المتاحة ضعيفة وهناك تحتاج تدخل دولي لإنقاذ الوضع”.
خبراء الأمم المتحدة المعنيون بحقوق الإنسان: يجب منح الخبراء الفنيين المستقلين إمكانية الوصول الفوري إلى ناقلة نفط مهجورة صدئة تهدد اليمن والبحر الأحمر بكارثة بيئية. pic.twitter.com/37Ps3Yqvcz
— يمن مونيتور (@YeMonitor) November 12, 2020
وحسب خبراء فإن خطر حدوث الانفجار أو التسريب يتزايد يومياً. وأظهرت الصور التي التقطت من على متن طائرة العام الماضي تسريب أنابيب وأختام صدئة. لذلك فإن الخبراء يثيرون مخاوف من أن ينفجر كل شيء.
وخلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني قال مصدر في شركة “صافر” يوم السبت إن “الناقلة تدور في العادة حول محور ثابت في قاع البحر، لكنها بدأت قبل عدة أسابيع في التحرك بشكل غير معتاد. لذلك فإن مخاطر حدوث انسكاب نفطي كبير أو انفجار لسفينة تخزين النفط الصدئة تتزايد بسرعة بسبب نقص الصيانة”. مؤكداً أن “الحلول تضيق كل يوم ولا بد من إفراغ الناقلة الآن، إذ لم تعد إجراءات الصيانة مفيدة”.
وقال مدير إدارة الطوارئ والتلوث البحري في الهيئة العامة للشؤون البحرية، محمد علي المهندس، إن تسريب النفط قد يؤدي إلى كارثة بيئية واقتصادية ضخمة، مثل نفوق الأسماك، كما يقضي على معيشة الصيادين وغيرهم من الذين يعتمد عليهم ملايين الأشخاص للحصول على الطعام.
وأكد “المهندس” على أن تكلفة سحب الزيت الوقود الموجود داخل الناقلة أقل بكثير من كلفة وقوع كارثة تسريب النفط، مضيفا أن منطقة البحر الأحمر تعد من أكثر مناطق العالم حساسية كونها تحتوي على العديد من أشجار المانجروف وشعاب المرجانية وغيرها.
ما الذي سيحدث إذا حدث انسكاب أو انفجار؟!
إذا لم يتم إفراغ الناقلة أو صيانتها فإن أفضل سيناريو هو حدوث تسرب بحجم كارثة إكسون فالديز، في “ألاسكا” التي حدثت عام 1989 وترتب على ذلك تسرب نحو 36 ألف طن من النفط في المياه. وخلال أسابيع تأثر الخط الساحلي وطوله نحو 2000 كلم في جنوب وسط ألاسكا، تسبب بواحدة من أكبر الكوارث البحرية، ونفوق الأحياء البحرية. ومن حيث الحمولة فإن حمولة “صافر” أربعة أضعاف الحمولة التي كانت في “إكسون فالديز”.
لذلك فإن حدوث كارثة ل”ناقلة صافر” سيكون حجم التأثير كبير للغاية، وهو ما تشير إليه دراسة أُعدت لصالح الحكومة البريطانية ونشرت في يوليو/تموز الماضي. فإذا ما حدث تسريب أو حريق للنفط في الناقلة اليمنية: ستتأثر 100٪ من مصايد الأسماك. 1.5 مليار دولار خسائر الدخل السنوي على مدى 25 عاماً، 63000 صياد سيفقدون مصادر رزقهم لمدة 25 عاماً وهي الفترة التي سيستغرقها مخزون الصيد للتعافي.
كما، سيفقد أكثر من نصف مليون شخص يعملون في صناعة صيد الأسماك والمأكولات البحرية وظائفهم ما يعني 1.7 مليون معالٍ سيحتاجون إلى مساعدات غذائية. سيؤدي إلى توقف 40٪ من الأراضي الزراعية في اليمن (500 كيلومتر مربع) إذ ستصبح مغطاة بالسخام. ما يعني 70 مليون دولار لمدة عام، خسائر في الإنتاج الزراعي (الحبوب والقات والفواكه والخضروات). وخلال العام ذاته سيفقد 3.25 مليون مزارع مصادر رزقهم. كما أن من المرجح أن ينتقل 60.000 مزارع وصياد عاطل عن العمل من الساحل إلى صنعاء على مدار 12 شهرًا بحثًا عن عمل وخدمات.
سيغلق ميناء الحديدة لمدة 5-6 أشهر، ما يعني ارتفاع جميع أسعار السلع التي تمرّ إلى اليمن. وتعتمد أكثر من 75% على هذا الميناء لدخول البلاد. وسيؤدي إلى ارتفاع أسعار الوقود بنسبة 200٪ مما أدى إلى انقطاع خدمات الصحة والمياه والصرف الصحي. وستتضاعف أسعار المواد الغذائية مما يجعل المزيد من اليمنيين يعتمدون على المساعدات الإنسانية ويزيد من مستويات انعدام الأمن الغذائي.
قد يستغرق التعافي ربع عقد، وقد يكلف تنظيف البحر من الانسكاب، ما يصل إلى 20 مليار دولار، يمكن أن يمتد التلوث والتلوث الشديد إلى مضيق باب المندب، مع مرور بعض النفط إلى ما وراء خليج عدن.
كما أن أكثر من 8000 بئر ستكون معرضة لخطر التلوث، مما يقلل من الوصول إلى المياه ويزيد من خطر تفشي الأمراض. ويمكن لما يصل إلى 60 منظمة إنسانية تعليق الخدمات بسبب الهواء غير الآمن، مما يؤدي إلى قطع الخدمات عن 7 ملايين شخص محتاج.
لماذا لا يتم التحرك؟
في الواقع فإن الأمم المتحدة بعثت بفريق معاينة للسفينة لكن الحوثيين –بعد انتزاع موافقة في يوليو/تموز- يرفضون وصول فريق الخبراء إلى السفينة. وخلال الأشهر والأسابيع الماضية شددت الحكومة اليمنية، في لقائتها الدبلوماسية على ضرورة ضغط المجتمع الدولي على الحوثيين من أجل السماح لفريق تابع للأمم المتحدة بتقييم ناقلة النفط المنكوبة.
والحوثيون يضعون شروطاً للموافقة، وأول تلك الشروط من أجل صيانة الناقلة أن تمم العملية في مكانها، فلا يريدون سحب الناقلة إلى سواحل دولة أخرى –قد تكون جيبوتي- من أجل صيانتها.
ويعتقد دبلوماسيون غربيون أن جماعة الحوثي تستخدم الناقلة كقنبلة عائمة لردع محاولات محتملة للتحالف العربي لاستعادة السيطرة على الحديدة.
وكانت الحكومة اليمنية المدعوم من التحالف قد أوقفت حملة عسكرية عام 2018 للسيطرة على مدينة الحديدة من الحوثيين، لكنها أُقفت بضغوط غربية ضخمة بسبب ما وصفوه بكارثة إنسانية محتملة إذا ما أغلق ميناء الحديدة الذي يبعد 60 كم عن مكان الناقلة. ووقع الحوثيون والحكومة اتفاقاً نهاية العام ذاته لوقف إطلاق النار في الحديدة وإعادة تموضع القوات وإدارة المدينة والموانئ التابعة لها من الإدارة التي سبقت سيطرة الحوثيين عليها لكن لم يتم تنفيذ هذا الاتفاق، عدا وقف إطلاق نار هش بين الطرفين. لكنه أوقف خطط الحكومة وحلفائها للسيطرة على المدينة.
كما يريد الحوثيون الحصول على قيمة النفط الموجود داخل السفينة. ويقال إن الأمم المتحدة تناقش بيع النفط المسترد، الذي تقدر قيمته بـ 40 مليون دولار، وتقسيم عائداته بين الحوثيين والحكومة اليمنية التي يدعمها تحالف دول عربية بقيادة السعودية. إلا أن الحوثيين يصرون على أنه يجب أن يسمح لهم ببيع النفط من أجل تعزيز جبهات القِتال المحلية للجماعة المسلحة ضد القوات الحكومية.
لكن خبراء يقولون إن النفط الذي تم تخزينه في السفينة منذ 2015 أصبح رديئاً للغاية بسبب طول فترة التخزين، ما أفقده كل قيمته تقريبا. وفي أحسن الأحوال سيتم بيع النفط بخمسة ملايين دولار، وهو قد لا تغطي تكاليف عملية الإزالة والإنقاذ في هذه المرحلة.
ومطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري تكفلت بريطانيا وألمانيا وهولندا وفرنسا بتأمين كامل التمويل اللازم لفريق خبراء الأمم المتحدة المكلف بمعاينة خزان “صافر” النفطي والذي يتراوح بين 3 و4 ملايين دولار.
لكن الحوثيين رفضوا السماح للخبراء بالوصول إلى السفينة. ما قد يتسببون في أكبر أزمة مستعصية تعاني منها البلاد لعقود.
وتصاعدت الحرب في اليمن منذ عام 2014، عندما سيطر الحوثيون على صنعاء ومعظم محافظات البلاد ما أجبر الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، المعترف بها دوليا، على الفرار من العاصمة صنعاء. وفي مارس/أذار2015 تشكل التحالف بقيادة السعودية لدعم الحكومة الشرعية ومنذ ذلك الوقت ينفذ غارات جوية ضد الحوثيين في أكثر من جبهة.
ويشن التحالف غارات جوية بشكل مستمر على مناطق سيطرة الحوثيين، ويطلق الحوثيون في المقابل صواريخ على المملكة العربية السعودية.
وقتل عشرات الآلاف نتيجة الحرب وتشير تقديرات غربية إلى سقوط أكثر من 100 ألف يمني خلال السنوات الخمس. كما تسبب القتال الدائر في البلاد بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، حسب الأمم المتحدة، إذ يحتاج نحو 24 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية أو الحماية، بما في ذلك 10 ملايين شخص يعتمدون على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة.