فيلم “ماذا بقي مني؟” يكشف مصائد الموت في اليمن
يمن مونيتور/اندبندنت عربية
يحضر الموت والخوف بقوة في مدينة تعز اليمنية، حيث لا تزال آلاف الألغام التي زرعتها ميليشيات الحوثي تلاحق سكانها، حاصدة حتى الآن مئات الضحايا المدنيين ومعطلة الحياة المدنية في المناطق المتضررة. وتمثل هذه الألغام عبئاً على أهالي تلك المناطق، الذين إن سلموا منها لن يسلموا من الحيرة التي تصيبهم بعد العثور عليها، لتبدأ معاناة مختلفة بشأن سبل نقلها وتخزينها، في أماكن تمثل خطراً في الأساس، وتفكيكها، وهم غير مؤهلين لذلك. كما تشكل خطراً يومياً على الأطفال، الذين ألفوا أصوات الرصاص ولعبة الحرب، ويبدو أنهم سيألفون الرقص بين تلك القطع المعدنية المتفجرة، كجزء من نمط حياة يراد لهم التعايش معه.
مصير قاس
في تعز، جنوب غربي البلاد، التي كانت حتى وقت قريب مسرحاً للحرب بين قوات الجيش اليمني وميليشيات الحوثي، تبدو تفاصيل مأساة مصائد الألغام واضحة على جسد الشابة اليمنية دليلة مقبل (28 سنة)، التي مزق لغم أرضي أطرافها السفلية وأصابت شظاياه العديد من المجاورين لها.
وتختزل قصة دليلة مآسي أكثر من 10 آلاف ضحية في مناطق الصراع اليمنية ممن فقدوا حياتهم أو عادوا إلى أهلهم عاجزين من دون أطراف، جراء تعرضهم لانفجار أحد الألغام، المقدر عددها بنحو 15 ألفاً زرعتها الميليشيات، بحسب تقارير صحافية، ولم تنزع بالكامل حتى الآن.
ومع تعدد وجوه معاناة المدنيين في اليمن، يظل أبشعها سقوط عشرات القتلى والجرحى بسبب الألغام التي تركها الحوثيون خلفهم، وفق فيلم المخرجة الأردنية نسرين الصبيحي “ماذا بقي مني؟”.
الفيلم وثّق عشرات الشهادات والصور لضحايا الألغام في المنطقة، من بينهم دليلة التي تقول إن سبب إصابتها كان لغماً أرضياً زرعه الحوثي، وانفجر فيها حين كانت تجلب الماء من البئر المجاورة لمنزلها، في منطقة مدنية تخلو تماماً من أي وجود عسكري. وأكدت أنها لم تكن الضحية الأولى، فقد سبقها العديد من النساء والأطفال غير البعيدين عن منزلها المتهالك.
مصائد الموت
في توثيقها مشاهد ضحايا الألغام، قسّمت المخرجة الأردنية الفيلم إلى جزءين. في الأول “ماذا بقي مني؟”، تناولت حصار الحوثي لتعز وزرعه الألغام فيها، والقذائف التي تطلقها ميليشياته وقناصوها واستخدامها ألغاماً أرضية محظورة دولياً.
وأشارت الصبيحي إلى أن “الألغام عطلت الحياة المدنية في المناطق المتضررة، وأن قوات الحوثي دأبت على خرق الحظر المفروض على استخدام الألغام الأرضية، وأن حالات عدة فقدت أطرافها أخيراً بسببها”.
جهود منقوصة
وتنقل في مشاهد الفيلم اعتراف المدير التنفيذي لمنظمة ائتلاف الإغاثة المحلية، بأن الحصار المفروض على المدينة أدى إلى تلف الأدوية والأغذية المحمّلة بالشاحنات خارج المدينة. حينها، استوقفته المخرجة بسؤال عمن يقف وراء الحصار، ليقابلها برفض التسمية. وبعد جدال وثّقه الفيلم، انتزعت المخرجة منه إقراره بأن “ميليشيات الحوثي هي من تحاصر المدينة”. وعند إلحاحها على معرفة سبل توفّر الأدوية، أجاب بأن “طيران التحالف العربي بقيادة السعودية هو من قام بإنزالها جوّاً بسبب الحصار”.
ووثّق الفيلم أيضاً خلافات بين مركز الأطراف التابع لمستشفى الثورة الحكومي في تعز ومؤسسة رعاية محلية، نتج منها إهمال في معالجة بعض الضحايا، بما في ذلك الانتقائية في توزيع العلاج، الذي يخضع “للفساد المنتشر داخل المحافظة”.
كما وثّق “ماذا بقي مني؟” تحويل ميليشيات الحوثي عدداً من مدارس المدينة ومستشفياتها إلى مواقع عسكرية وسجون، مثل المستشفى السويدي للأمومة والطفولة الذي تحول إلى موقع عسكري ومخزن للسلاح. ما يفسر، بحسب الفيلم، تحول هذه الأماكن إلى أهداف لقوات دعم الشرعية، بعدما أُفرغت من صبغتها المدنية.
جوائز ومبادرات علاج
حاز فيلم “ماذا بقي مني؟” جائزة من مهرجان شمال أوروبا الدولي للأفلام في العاصمة البريطانية لندن، وكذلك من مهرجان “إندي فيست” في مدينة لوس أنجليس الأميركية. وتقول الصبيحي إن “الفيلم حظي باهتمام بعض المنظمات، مثل منظمة أطباء بلا حدود التي وجدت فيه استقلالية وشفافية في الطرح وحقائق ميدانية موثّقة، مختلفة عما يصلها كغيرها من المنظمات من أفلام وتقارير من جهات مشكوك في صدقيتها، لارتباطها بمصادر تمويل منخرطة في الحرب”.
وطلبت المنظمة من المخرجة تفاصيل عن إحدى الضحايا التي أظهرت في الفيلم يأسها من الحصول على العلاج، وهي دليلة، التي تبنّت المنظمة إجراءات نقلها من تعز إلى الأردن لمعالجتها وتركيب أطراف اصطناعية لها.
ولأن التوثيق مدوّنة تاريخية وذاكرة إنسانية، تابعت المخرجة توثيق قصة دليلة في الجزء الثاني من الفيلم “أنا هزمت ألغام الحوثي”، مسجلة رحلتها مع العلاج وعودتها بعد الشفاء إلى قريتها (الشقب).
ذكرت دليلة أنها خلال فترة علاجها في الأردن تلقت خبر سقوط إحدى قريباتها في القرية نفسها ضحية للغم أرضي تسبب في بتر رجلها كاملة، مؤكدة أن “تعز لن تنعم بالسلام والاستقرار إلا برحيل الحوثي عنها”. ووجهت رسالة إلى العالم أن يساعدهم في منع تزويد الحوثيين بالألغام.