(مقابلة خاصة) محمد الحداد.. مدون يمني اختطفه الحوثيون وحكموا عليه بالإعدام
يمن مونيتور/ مقابلة خاصة:
في 2016م لم يكن “محمد عبدالوهاب الحداد” (25 عاماً) يعلّم أن المسافة من منزله إلى حفل زفاف أحد أصدقائه ستودي بأربع سنوات من عمره ويحكم خلالها عليه بالإعدام إلى جانب عشرات أخرين في قضية عُرفت إعلامية بالمختطفين الـ36 لدى الحوثيين.
أًفرج عن “الحداد” ضمن صفقة تبادل الأسرى والمعتقلين في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بين الحكومة اليمنية والحوثيين، وهو مدون على شبكات التواصل الاجتماعي وخلال السنوات التي سبقت اعتقاله كان يوجه انتقادات للحوثيين على صفحته الرسمية.
ويقول الحداد لـ”يمن مونيتور” بعد أيام من الإفراج عنه، ويعيش الآن في مدينة مأرب، “عندما خرجت من المنزل وفي الشارع العام حاصرتني دوريات الحوثيين، وفي اللحظات الأولى لاعتقالي رأيت شريط حياتي يمر سريعاً أمام عينيّ، حققوا معي بداية الأمر على متن السيارة، استخدموا العنف على وجهي، تم اقتادوني إلى البحث الجنائي، وبعد نصف ساعة ذهبوا بي إلى مكتب التحقيقات”.
وأضاف “من أولى لحظات اعتقالي كان هناك تعذيب جسدي ونفسي وشتم وتهديدات، بعد ذلك وضعوني في سجن انفرادي مظلم، كنت أفترش الأرض وألتحف السماء.. المكان مليءٌ بالحشرات.. لا غذاء ولا ماء، لم أكن أعرف، ولا أهلي يعرفون مكان احتجازي”.
محاكمات هزلية
يقول الحداد إن الأسباب التي تقف وراء اعتقاله: “هي الكتابات على مواقع التواصل الاجتماعي وقيامي بشرح ما يحدث للناس في صنعاء من تعذيب وإجرام بحق الأبرياء من الصحفيين والناشطين وغيرهم من الأبرياء، كما أنني شاركت في (مبادرة مناظرة) وهي تناقش قضايا اجتماعية وسياسية عادية، بثت تلك المناظرة على قناة الجزيرة مباشر، وكان لديّ بعض العلاقات الجيدة مع عدد من الصحفيين باعتباري أدرس الإعلام، لكنهم لفقوا لي تهمًا باطلة، وأدرجوني ضمن خلية 36 أو خلية الوجه الآخر كما أسموها، وتم إنتاج أفلام وثائقية تحكي أننا مجموعة إرهابيين نقوم بعمليات تفجير واغتيالات”.
يضيف محمد: “بالطبع لا صحة لكل ما قيل في هذا الموضوع، كانت محاكمات هزلية فيها العديد من التناقضات، وهذه بعضها: يقول الادعاء العام بأننا خلية تتكون من 36 شخصًا تم تدريبها في مأرب للقيام بعمليات خاصة في العاصمة صنعاء.. في الملف ذاته الذي جاءت به النيابة العامة أن نصف هذا العدد هارب بينما يحتجزون داخل الزنازين 36 شخصًا بنفس التهمة! ومن التناقضات أيضاً أنهم قالوا إن الخلية تكونت عام 2016م، والمفاجأة أن هناك 6 سجناء محبوسين منذ 2015م”.
يتابع “يتهمك أنك تشتغل في خلية وأنت مسجون لديهم وباعترافهم.. كيف ذلك؟! وهناك أشخاص لا يستطيعون التحرك أصلاً.. أي مصابين بإعاقات بدنية، ويتم تلفيق تهم لهم بأنهم يعملون في التدخل السريع.. تهم لا تستقيم مع المنطق أو العقل”.
مشاهد من التعذيب
يستذكر “الحداد” مشاهد التعذيب التي تعرض لها ويقول إنه “خلال الشهرين الأولين لاعتقاله تعرض لتعذيب شديد، وأًسعف إلى مشفى الكويت التعليمي (حكومي) بعد أن أغمي عليه”. ويضيف “كنت مصاباً بنوبة تنفسية وحينما عدت من المستشفى وبالرغم من أني مازلت مريضاً أخذوني إلى مكتب التحقيق وعذبوني، ومازالت المغذية على يدي لأدخل في غيبوبة جديدة”.
وقال إن المحققين والمسلحين الحوثيين كانوا “يسحبونه على درج (سلالم) البحث الجنائي ثم اقتادوه إلى مكتب يسمى مكافحة الإرهاب وأنا بحالة جسدية ونفسية سيئة، وهناك كان التحقيق يستمر من الرابعة مساءاً حتى الثانية فجراً”.
وأضاف: أنه والمعتقلين كانوا يترجون الحوثيين السماح لهم بأداء الصلاة لكنهم يرفضون.
وتابع: كانوا يتفننون بتعذيبنا سواء ضرباً بالهراوات أو صعقاً بالكهرباء أو بطريقة الشواية وهي أن تعلق على ظهرك كي يتحمل العمود الفقري كامل جسدك لمدة ساعة كاملة.
حكم بالإعدام
في يوليو/تموز2019 أصدرت محكمة تابعة للحوثيين في صنعاء حكماً بالإعدام على “محمد الحداد” و29 أخرين وتبرئة ستة أخرين، ضمن القضية المعروفة ب”المختطفين ال36 لدى الحوثيين”، وهي الأحكام التي لاقت إدانة شديدة من منظمات محلية ودولية. وأفرج ضمن صفقة تبادل الأسرى والمعتقلين عن “الحداد” و(7) أخرين من المحكوم عليهم وسط وعود من الحكومة بتضمين البقية في جولة جديدة.
وقال الحداد: “حكموا علينا بالإعدام وقاموا بتحريض المجتمع ضدنا وأخرجوا مظاهرات من أتباعهم للضغط لتنفيذ الحكم، كان إعلان الحكم مرعباً لأهالينا هناك من أصيبت والدته بأمراض مثل السكر وهناك من الأمهات من فقدت وعيها أثناء جلسة المحكمة، وبعضهم أصيب بالاكتئاب ودخلوا في حالة نفسية”.
وأردف” كنت أحدث نفسي أن لا قضية لي وأن الموضوع سياسي وبسيط فما نشرته مجرد عدد من المقالات القصيرة التي تشرح وضع العاصمة، لكن الفاجعة أن ثلاثين من الأكاديميين والنشطاء والإعلاميين ليس لهم ذنب سوى أنهم قالوا للحوثيين لا، مع ذلك كنا متماسكين ومدركين أن الله لن ينسانا وأن هناك رجال في الميادين لن يتركوا معتقلاً أو مختطفاً حتى يفرجوا عنه ولن يسمحوا بتنفيذ أحكام باطلة”.
وقال محمد إن “الأحكام بالإعدام لم تكن كافية، فقد مارس الحوثيون ترهيباً ضد أصدقائه والمتضامين مع قضيتهم في مناطق سيطرة الجماعة لإجبارهم على السكوت”.
زيارات مؤلمة
بخصوص الزيارات يقول “محمد الحداد” إنه لم يتلقى زيارة من أهله إلا بعد أربعة أشهر على اختطافه، ويضيف واصفاً تلك اللحظات: كان المشهد قاسياً خاصة أن ملامح التعذيب مازالت واضحة على جسدي، أتذكر أول زيارة في الأمن السياسي كانت كلها بكاء ودموع وحزن”.
وتابع: لم يكن بإمكاني احتضانهم ولا الاقتراب منهم فقد كان الحاجز الفاصل يبعدنا عن بعضنا 5 أمتار بحيث لا يستطيعون سماعي إلا حين أرفع صوتي، وفي الوقت نفسه يكون إلى جوارك عشرات السجناء كلهم يتحدثون في وقت واحد إلى أهاليهم، وكل واحد منهم يلجأ لرفع صوته، وبعد دقيقة أو دقيقتين ينتهي اللقاء، وإذا لم تعد إلى الزنزانة سريعاً ستتعرض للضرب والسحب أمام أسرتك، وأحياناً يتم الاعتداء وضرب الأسرة إذا لم تغادر سريعاً، الذين كانوا يتركون لنا بعض الطعام والملابس فيُسرق منّا”.
داخل السجن
يحكي محمد قصصًا مأساوية تعرض لها ومختطفين أخرين كانوا معه في الزنزانة بعضهم توفي داخل السجون.
وقال لـ”يمن مونيتور”: “هناك من تم تعذيبه حتى الموت، أستذكر عبدالله الهجرة، تُرك وحده ليموت قمنا بطرق الأبواب والنداء للحوثيين، كي يسعفوه ورغم صراخنا ومطالبتنا بإسعافه لم يستجب أحد حتى توفيّ”.
وتابع: هناك شخص آخر اسمه محمد غراب تركوه لوحده يعاني من مرض السل حتى فارق الحياة.. حالات مرضية كثيرة كان يمكن أن تعالج لكنها تُركت حتى تفاقمت وتحولت إلى إعاقة دائمة نتيجة التعذيب.
ويشير “محمد الحداد” إلى الأمراض التي يتعرض لها المختطفين بالقول إن “معظم السجناء يعانون من أمراض المعدة والقرحة والقولون والبواسير وكل ذلك بسبب الطعام الرديء، لا توجد أدنى عناية بنظافة بالطعام المقدم.. كانوا يوزعون الطعام داخل سَّطْول بلاستيكية تتعرض للحرارة وتترك لساعة أو ساعتين وتأتي القطط لتأكل منها وتتعرض للغبار وللأوساخ، ثم يقدمونها لنا، وكأنهم يطعمون قطيعًا من الحيوانات، وذلك كله موثق وموجود وأتحدى الحوثيين أن ينكروا ذلك”.
فرحة الخلاص
وحول الخروج من السجن ضمن اتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين قال الحداد: كان شعوري حينما علمت بخبر الإفراج عنّا بصفقة التبادل لا يوصف، لم أصدق يوماً أنني سأنجو من سجون الحوثيين إلا بتوكلي على الله ثم على الرجال الصادقين، وكل هذا بفضل الله وبفضل جيشنا الوطني وجهود لجنة تبادل الأسرى التي نرجو منها ومن كل المعنيين أن يبذلوا جهوداً أكبر حتى ينقذوا إخواننا من المعتقلات والسجون الحوثية.
وعن طموحاته ومشاريعه يقول محمد: “حياة جديدة ومولد جديد وموطن جديد لن نبقى عالة على الشرعية سنكون بإذن الله محركاً من محركات النصر، سندخل صنعاء بإذن الله فاتحين، وسنعري جماعة الحوثي أمام العالم التي تدعي أن حكمها بصكٍ إلهي وبأن قادتها من سلالة سامية.
وأضاف: “سنعمل على متابعة موضوع المختطفين والأسرى سواء من تبقى في السجون أو من خرج، وسنؤسس مؤسسة تقوم بمتابعة حقوقهم وإعادة تأهيلهم والبحث عن داعمين لهم وإقامة مساكن خاصة لهم وتزويج من تبقى منهم وتأهيلهم أكاديمياً وعلمياً لأن هذا أبسط ما يمكن أن يقدم لهم، الأحرى بالحكومة الشرعية أن تجعل نصب عينيها تحرير الأسرى وتطمين أهاليهم ومعالجة وضعهم الصحي وتأهيلهم تأهيلاً صحيحاً لأن الأسير لبنة مهمة من لبنات النصر”.
ومنتصف أكتوبر/تشرين الأول 2020 أُنجزت عملية تبادل الأسرى بين الحكومة اليمنية والتحالف السعودي الإماراتي من جهة وبين الحوثيين من جهة أخرى، بإشراف من الأمم المتحدة والصليب الأحمر شملت أكثر من ألف أسير يمني و15 سعودياً و4 سودانيين.