اليمن.. تفاقم أزمة التعليم العام ومحدودية البدائل المتاحة
يمن مونيتور/دويتشة فيلة
الأطفال هم الفئة الأكثر تضررا بالحرب في اليمن، سواء من خلال الجوع والأوبئة التي تهدد حياتهم أو الحرمان من التعليم لتضرر عدد كبير من المدارس، علاوة على أزمة التعليم العام ومحدودية إمكانيات التعليم الخاص والبدائل المتاحة.
بعدما كان والده يستعد لإلحاقه بأحد المساجد لـ “تعلُّم القرآن”، أنقذ إنهاء إضراب المعلمين في مدينة عدن جنوبي اليمن مستقبل عمار (10 أعوام) بالعودة إلى مدرسته.
يعمل والد عمار، وهو ثلاثيني، سائق أجرة في عدن، وبسبب إغلاق المدارس الحكومية في المدينة لشهور خلال العام الماضي نتيجة إضراب نقابة المعلمين، اعتبر في حديثه لـDW عربية أن البديل المتاح إذا ما استمر توقف التعليم الحكومي هو التحاق طفله بـ”مدرسة القرآن” لتعلم القراءة والكتابة، لأن نفقات التعليم الخاص بالنسبة إليه غير ممكنة، حيث أن دخله المحدود بالكاد يوفر الغذاء لأسرته المؤلفة من زوجته وثلاثة أبناء.
لا يمثل التعليم الديني أو مدارس تحفيظ القرآن التي غالباً ما تنتشر في المساجد أو ملحقاتها بديلاً مقبولاً، بقدر كونها تعبر عن الماضي الذي سبق توفر التعليم في البلاد. ويأتي ذكرها، أحياناً، على سبيل التعبير عن السخط إزاء ما آلت إليه أوضاع التعليم في البلاد.
مناطق المواجهات الأكثر تأثراً
وسط الأزمات والتعقيدات التي يواجهها التعليم في اليمن عموماً، تصل الأزمة ذروتها، في المناطق المتأثرة مباشرة بالمعارك، كما هو الحال في مناطق متفرقة بمحافظة الحديدة، حيث النزوح والأضرار المباشرة التي طالت المدارس وعموم البنية التحتية.
منال عبدالله (12 عاماً)، نزحت مع أسرتها من إحدى ضواحي مدينة تعز إلى عدن، بعد أن تعرض منزلها لنيران مباشرة، وبسبب الظروف المعيشية وغير المستقرة لأسرتها، فإنها خسرت عاماً دراسياً، حيث لم يكن بمقدورها توفير الوثائق اللازمة للالتحاق بالمدرسة في منطقة النزوح، خلال العام الدراسي المنصرم.
ومع بدء العام الدراسي الجديد، تسعى أسرة منال لمواصلة تعليم ابنتها دون الذهاب إلى المدرسة بشكل منتظم. إذ تعمل على تسجيلها في إحدى مدارس المدينة التي نزحت منها، على أن تكتفي بحضور الامتحانات الفصلية، بالاستفادة من تسهيلات تمنحها بعض المدارس للأسر المتضررة من الحرب.
معلمون بلا رواتب وخصصة مدارس حكومية
في صنعاء ومحيطها من المحافظات التي تخضع لسيطرة سلطات أنصار الله (الحوثيين)، تبرز تعقيدات وتحديات إضافية تواجه العملية التعليمية، تأتي في مقدمتها أزمة توقف صرف رواتب المعلمين منذ سبتمبر/أيلول 2016، مروراً بتأثيرات الأزمة الإنسانية والاقتصادية التي تكتوي بنارها غالبية اليمنيين، وصولاً إلى تدخلات “أنصار الله” (الحوثيين) في العملية التعليمية، على غرار التعديلات في بعض المناهج الدراسية وفرض توجهات الجماعة في العديد من القرارات والمناسبات.
ويقول لـDW عربية، معاذ ثامر (اسم مستعار)، وهو أربعيي أب لطفلين اضطر لنقلهما من مدرسة خاصة إلى حكومية قبل ثلاث سنوات، بعد توقف الراتب الشهري الذي يتقاضاه، إن الحرص على المدرسة أصبح فقط بغرض الحصول على الشهادة المدرسية.
ويضيف أن ابنيه إياد (10 أعوام) وأوس (12 عاماً) لم لديهما أي حماس للذهاب إلى المدرسة، على عكس ما اعتادا عليه في سنوات سابقة. كما أنه يشعر بالقلق “من التأثيرات النفسية السلبية التي يمكن زن تنتج عن مدرسة تنعدم فيها الحوافز للتلاميذ ولا يتقاضى المعلمون فيها روتبهم”.
وعلى الضد من المطالبات بتقديم تسهيلات تخفف وطأة الأزمة، واجهت سلطات الحوثيين اتهامات مؤخراً، بالسعي إلى “خصخصة” التعليم في المدارس الحكومية، من خلال تدشين فترة مسائية برسوم باهظة في عدد من مدارس العاصمة صنعاء.
تضرر ألفي مدرسة ومليونا تلميذ محرمون من التعليم!
منذ تصاعد الحرب في اليمن، قبل نحو ست سنوات، أصبح حوالى 2000 مدرسة خارج الخدمة إما بسبب الأضرار التي لحقت بها أو لتحولها إلى مأوى للنازحين، كما أدى “الوضع المزري في اليمن -بما في ذلك الصراع المستمر والكوارث الطبيعية وتفشي الكوليرا والحصبة وشلل الأطفال والفقر- إلى حرمان أكثر من مليوني طفل من التعليم”، وفقاً لما جاء في بيان مشترك عن أربع منظمات دولية مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وهي اليونسكو واليونيسف وصندوق “التعليم لا يمكن أن ينتظر والشراكة العالمية من أجل التعليم.
وبينما أطلقت المنظمات نفسها في البيان دعوة مشتركة إلى استئناف دفع رواتب ما يقرب من نصف المعلمين اليمنيين والموظفين في المدارس ويقدر عددهم بـ160 ألف معلم وموظف، لم يقبضوا رواتبهم منذ أواخر عام 2016، رجحت أن يؤدي التأخير بدفع الرواتب إلى “انهيار تام لقطاع التعليم والتأثير على ملايين الأطفال اليمنيين، وخاصة الفئات الأكثر تهميشاً، كما الفتيات”.
ويقول الباحث المهتم بالشأن التعليمي في اليمن، طاهر الشلفي لـDW عربية، إن “الحرب وما رافقها من إخراج مدارس عن الخدمة وزيادة معدلات التسرب وتوقف رواتب المعلمين، كلها فرضت استمرار التعليم في حدوده الدنيا، المتعلق بتوفير الكتاب المدرسي وغيره متطلبات العملية التعليمية”
البدائل واستفادة أطراف الصراع
إلى ذلك، يرى الأكاديمي الخبير في الشؤون التعليمية الدكتور قائد غيلان أن التعليم الحكومي كان حتى قبل الحرب “يعاني من أزمات كثيرة منها الازدخام الشديد داخل الفصول الدراسية، ونقص في المدرسين”. أما اليوم فإن البلاد تمر بـ”كارثة حقيقية، فالعملية التعليمية متوقفة”، ويتساءل “كيف تستطيع أن تضبط مدرسا بالحضور وأنت لا تدفع له راتبه؟”، كما أن “المدارس الخاصة (الأهلية) لا تستطيع أن تستوعب كل العبء الذي كانت تقوم به المدارس الحكومية، ناهيك عن عدم قدرة الناس على دفع تكاليفها”.
وفي سياق مناقشة البدائل المطروحة للتعليم ومجمل التحديات التي يواجهها، يعتبر غيلان في حديثه لـDW عربية أن “البديل المتوفر هو ترك المدرسة”، لكنه يستدرك بأنه “عند بعض الأسر تقوم الأسرة بما كانت تقوم به المدرسة، ويصبح دور المدرسة دورا شكليا، حتى يتمكن الطالب من الاختبار والانتقال إلى مرحلة أعلى”.
كما يستبعد المتحدث “أن تحل مشكلة التعليم قريبا”، ويعلل ذلك بأن “توقف العملية التعليمية تستفيد منه الأطراف المتصارعة، إذ يتحول الأطفال في سن المدرسة إلى مقاتلين شرسين، فأسوأ مقاتل هو المقاتل في هذه المرحلة العمرية الخطيرة، إذ يمكن تعبئته بسهولة، ويذهب إلى المعركة بروح قتالية عالية، دفاعا عن قضايا صُوِّرَت له على أنها كبيرة ومصيرية دفاعا عن الدين والوطن”.
وفيما يتعلق بـ “التعليم الخاص”، يقول إن “دوره محدود جدا، فالأزمة فوق قدراته الاستيعابية” والتعليم الخاص كان “رافدا مساعدا للتعليم الحكومي العام، ولا تستطيع المدارس الخاصة حتى أن تستوعب أطفال العائلات الميسورة”. ونظراً لكل ذلك فإنه “لا يمكن حل أزمة التعليم في اليمن إلا بحل قضية اليمن الأساسية، وهي توقف الحرب وانتهاء الصراع السياسي. بدون ذلك تبقى ازمة التعليم وكل الكوارث الأخرى الناتجة عن الحرب وسوف تزداد سوءا”.
الجدير بالذكر، أن منظمة اليونسكو، أعلنت في يوليو/تموز العام الجاري، عن مشاريع تتمحور حول التعليم البديل وفرص تعويضية تستهدف الأطفال خارج المدارس في إطار جهود الحد من التأثيرات الكارثية للأزمة. وتوجه DW عربية بالعديد من الأسئلة إلى المنظمة حول تفاصيل المشروعات المشار إليها في بيانات سابقة صادرة عنها، إلا أنه لم يحصل على رد.