عن رجل المرور الصبور في تعز
هناك حيث حرارة الشمس الصيفية القاسية التي يهرب منها الناس باحثين عن ملجأ قريب وماء بارد يروي العطش، وبين الرياح العاتية التي تعمي العيون بما تحمل لها من الأتربة وتضج المسامع بصفيرها، وتحت الأمطار الغزيرة التي تمر في الشوارع فتحمل ما فيها من أوراق ونفايات تسحبها إلى حيث لا تدري، هناك يعمل ذلك الجندي العظيم في مدينة تعز الحالمة، المدينة التي عشقها أهلها كثيرا وما زالوا على ذلك وسيظلون لها من العاشقين مدى الدهر والسنين.
رجل المرور في هذه المدينة المتعبة يعمل ليل نهار حبًا فيها إكراما لها ولأهلها المتميزين بالبراءة والعناد في الوقت ذاته.
يا له من رجل عظيم يحمل بين أضلعه قلبًا يحسد عليه، قلبٌ يمتاز بالصبر الكبير والحلم الذي لا يضاهيه حلمٌ آخر، رجل عمل وإخلاص وتفان.
متمرسٌ على عمله تراه يجول بين السيارات بكل نشاط وهمة، ببذلته الزقاء تلك التي قد أخذت الشمس عنها لونها حتى مالت إلى البياض، باسمراره الذي اكتسبه من عمله ذاك، بابتسامته التي تشع نورًا ونشاطًا واحترمًا للمارين بجواره الذين ربما يتضجرون كثيرًا عند إيقافه لهم فترة من الزمن ليمر الطرف الآخر وما عمله ذاك إلا حبًا في المارة وبذلًا منه شيء لكي تنعم هذه المدينة إلى جانب حريتها بقليل من الهدوء أو ليست هي المدينة الحالمة التي يعشقها أهلها حد الثمالة؛ بل أكثر؟
تراه يوقف هذا ويشير إلى ذاك بأن يمر ويهمس للآخر الذي أصابه الضجر بأن تحمل لم يبق إلا القليل وستمر أنت أيضاً، كلُ شيء سيمضي على مايرام إن تحلينا بقليل من الصبر.
لا شك أن الكثير منكم قد مر بهذا الجندي الصبور فمنكم من نظر له بلا مبالاة ومنكم من أبدى تضجرًا؛ لأنه كان يريد أن يصل بالوقت الذي يريد هو وإيقافه له قد أخذ منه بعضًا من الوقت، ومنكم من قال له في نفسه: كان الله في عونك أيها البطل، الكثير منا قد رآه يعمل في وقت الظهيرة بين حرارة الشمس القاسية وازدحام السيارات والضجة الكبرى تلك التي يصدرها السائقون، وذلك الجندي يعمل بكل اجتهاد وهو يتصصب عرقًا ولونه يميل أكثر إلى السواد، لكن هل رأيتم هذا الرجل وهو يعمل بين الأمطار الغزيرة؟ يقف في منتصف الشارع يمارس عمله لا يأبه للمطر الذي ينزل عليه ولم يتضجر من ذلك، بل إنه يبدي استمتاعه بالجو البارد، يمسح على وجهه بين الفينة والأخرى ليزيل ما وقع عليه من الماء كي يرى بوضوح أكثر.
إن هذا الجندي لمن المجاهدين الباذلين للمدينة الكثير، عمله هذا لايقل عن عمل المرابطين في جبهات القتال دفاعًا عن هذه المدينة الجميلة.
لك منا كل الشكر والتقدير والاحترام فأنت رمز من رموز السلام وعلم من أعلام النضال العظيم.
**المقال خاص بموقع “يمن مونيتور” ويمنع نشره وتداوله إلا بذكر المصدر الرئيس له.
*** المقال يعبر عن رأي كاتبه.