مع انطلاق معركة تحرير تعز، انطلقت معها الكثير من الحقائق الواضحة التي تلخص القضايا الوطنية الكبرى وطبيعة الصراع الدائر اليوم، وماهيته وهويته وجذوره وأبعاده، وكانت لغة الدماء وحدها هي المتحدث الفصيح، والناطق البليغ عن الحكاية باختصار محكم، وكانت تعز هي حاضنة الدولة والهوية، وعنوان اليمني المناضل ببسالة ضد لصوص الأوطان، ممن حاولوا السطو على الجمهورية والكرامة والقيم الفاضلة.
مع انطلاق معركة تحرير تعز، انطلقت معها الكثير من الحقائق الواضحة التي تلخص القضايا الوطنية الكبرى وطبيعة الصراع الدائر اليوم، وماهيته وهويته وجذوره وأبعاده، وكانت لغة الدماء وحدها هي المتحدث الفصيح، والناطق البليغ عن الحكاية باختصار محكم، وكانت تعز هي حاضنة الدولة والهوية، وعنوان اليمني المناضل ببسالة ضد لصوص الأوطان، ممن حاولوا السطو على الجمهورية والكرامة والقيم الفاضلة.
وحديث الدماء صادق لا تعتريه الترضيات المؤقتة، جاد لا تدركه الهزليات الهزيلة، واضح لا يعترف بالمصطلحات المقنّعة تحت أردية السياسة والدبلوماسية، شفاف ثجاج طاهر بريء نقي، لأنه جوهر اليمني وحقيقته المكنونة، وسائل الحياة الكريمة، وضريبة الحرية والأخوة والسلام والدولة المستقرة.
لا مجال للتوظيف الإعلامي للتضحيات السخية التي سكبها أبطال المقاومة في مشارف تعز، وفي ذباب على وجه التحديد، لقد أعاد هؤلاء العظماء تعريف النضال وأبجدياته، والتي تنطلق من الفطرة الإنسانية السوية، وقد نضجت بالإخوة اليمنية الصافية، وتشبعت بقيم العزة والنخوة، فهبّ الشرفاء الأحرار لنصرة المظلوم وكسر يد الظالم، وللدفاع عن الوطن الكبير من وحشية الغزاة الهمج، الذين انقلبوا على الوطن والإنسان، كانت دماء الأبطال تنسكب لتروي تراب ذباب بلا معيارية ضيقة ولا حضور لجهوية صغرى، ولا انتماء يقزّم هذه التضحيات العظيمة.
عادت جثامين الشهداء مضرجة بالدماء الطاهرة التي شربت منها تعز العطشى الصامدة، وكانت قبور الأبطال تتوزع في تراب ريف الضالع وشبوة، حيث آوت الأرض هناك أجسادهم، بينما كان التراب الوطني يرتوي بدمائهم النقية، ومثلها كانت أسماء الشهداء في مأرب مرفقة بالمنطقة التي قدم منها البطل، من ريمة وشبوة والضالع وعمران وذمار، قبل ذلك كانت عدن تشرب من أوردة صناديد المقاومة الأشاوس من كل أرياف اليمن دفاعا عن البندر الجميل، وما كان دم القائد البطل نايف الجماعي المنزوف في الضالع، إلا عنواناً لقصة الدماء وفلسفة الانتماء.
وفلسفة الدماء لا تعني انكار التقسيمات الجغرافية، أو إلغاء العناوين الجهوية، أو طمس تفاصيل المناطق الصغيرة، بل جاءت تحقيقاً للتنوع، وتعزيزاً للتلاحم، وترتيباً للأولويات، ودفاعاً عن الحياض الحقيقي، عن الدولة والمؤسسات، وعن الوطن الذي يعبث به أجراء المشاريع الشاذة، ممن ارتموا في أحضان العدو، وكانوا له ذراع يشطط به الجسد اليمني ويهدم به النسيج الاجتماعي والجغرافي.
الدماء النازفة تختصر المسافة، وتتجاوز العناوين السياسية للمشاكل والصراعات الجانبية، والتي هي في حقيقتها نتاج للعبث السياسي الذي ورّثة المخلوع، ويسعى لتغذيته بالانقلاب القبيح وبصورة أقبح في ثنائية الحقد مع حليفه الحوثي.
ولعل صدق التضحية وسخاء النفوس الكبيرة التي منحتنا أرواحها الغالية، من أجل حريتنا وكرامة وطننا، دون أنانية ضئيلة، أو رجاء منفعة، وقد تركوا لنا دماءهم كمعالم صافية لطبيعة الصراع، نهتدي بها كلما حاول الانقلابيون تشتيت أسهمنا، وتحوير نضالنا، ورسموا لنا فلسفة الانتماء الوحيد لهذا التراب المتين، والأرضية الصلبة التي علينا الاتحاد فوقها، حتى استكمال تحرير كل شبر في اليمن.