لا يوجد مصطلح أثير بعد الألفين، عالمياً، أكثر من مصطلح “الإرهاب”، ليس لأنها كلمة ذات بُعد فكري فحسب تلوكه الألسُن بل لأنه مقترن بفوبيا قادم من الولايات المتحدة الأمريكية. أمجد خشافة
لا يوجد مصطلح أثير بعد الألفين، عالمياً، أكثر من مصطلح “الإرهاب”، ليس لأنها كلمة ذات بُعد فكري فحسب تلوكه الألسُن بل لأنه مقترن بفوبيا قادم من الولايات المتحدة الأمريكية.
مؤخراً، وعقب حادثة باريس مباشرة، قال بابا الفاتيكان إن هذه العملية “جزء من حرب عالمية ثالثة تدريجية”…، هكذا قال دون تفصيل أكثر أو ما هي الحرب الثالثة ومن يقودها، وهو الأمر الذي يفتح تفسيرا مشابهاً حين وقف بوش الابن بعد 11 سبتمبر وقال “إنها حرب صليبية”، و “من لم يكن معنا فهو ضدنا”.
كانت ردود فعل العرب في حادثة باريس يوازي في تقمص دور الحُزن لفرنسا، وكأن الحادثة وقعت في القاهرة أو في صنعاء أو في عاصمة أخرى، كل هذا ليس لأن الأمر متعلق بعملية القتل، بحد ذاتها، بل لأنه ناتج من جماعة أطلق عليها العالم برئاسة أمريكا بأنها جماعة “إرهابية”، تماما كما حدث مع القاعدة حين تحول مقاتلوها في نظر الغرب في افغانستان من “مجاهدين” أو “الأفغان العرب” إلى “إرهابيين” في سوريا، كما هو حاصل مع جبهة النصرة.
الأمر متعلق بهم وليس بنا كعرب ومسلمين، وهو ما جعلنا نتقبل هذا المصطلح الفضفاض الذي لم تُعرّفه أمريكا بشكل واضح حتى اللحظة.
حين يقول البابا إنها جزء من حرب عالمية ثالثة، لا بد أن تفسر من نظره دينية عقائدية لأن الرجل ليس محلل سياسي كـ”نعوم تشومسكي” ولكن رجل دين. وهو يطلق هذه الفكرة يذكرنا جدلية صراع الحضارات والتي بلورها “صموائيل هنتجتون” بكتابه الشهير، بأن العالم سينتهي بحرب بين الحضارة المسيحية والحضارة الإسلامية.
وكما أن المسلمين يستجلبون الأحاديث في صراع آخر الزمان وتمكين الأرض للمتقين، فإن هؤلاء يستدعون مبشرات تقول إن المسيحية ستتمكن في الأرض بعد معركة “هار مجدون”، وهي منطقة تقع تحت سيطرة إسرائيل حالياً.
الأمر على ما يبدو لن يكون متعلق بتنظيم الدولة الذي يعتبره الغرب والعرب بأنه متوحش، فالحرب هي على كل جماعة تحاول أن تلزم بالنص الشرعي، وهو ما أثارته مؤسسة راند الامريكية في 2007م بأن الجماعات التي تتمسك بـ”النص الشرعي” هم من يجب الحذر منهم ومحاربتهم.
وحين تجتمع الحرب على “الظاهرة النصية” مع مصطلح الارهاب، غير المُعرف، يكون من السهل على الغرب وضع غير المرغوب بهم في قفص الإرهاب، وضرب كل جماعة أو دولة خرجت عن إرادتها.
مثلاً، إيران وحزب الله كانا في قائمة الارهاب لدى أمريكا رغم أنهما لم يقذفا البيت الأبيض حتى بالورود، فضلاً عن العمل العسكري، ذلك كان حينما اختلفوا في مسألة فرض الهيمنة على المنطقة، ولكن حين وجدت أمريكا عدواً مشتركاً وهو ببروز ظاهرة “تنظيم الدولة”، قالت إن إيران حليف فاعل في الحرب ضد الإرهاب، فرفعتها وحزب الله من قائمة الإرهاب.
وفي اليمن حين سُئل “جيرالد فيرستاين”، السفير السابق لأمريكا في صنعاء، حول شعارات الحوثيين “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل” هز كتفيه وقال “إنها شعارات سخيفة”، هي فعلاً سخيفة لأن الجماعة تُطلق الشعار في الجو، بينما تقذف المواطنين بالدبابات، وهذا، طبعا، ليس إرهاب بنظرهم..!
أمريكا تعرف أن “الإرهاب”، في نظرها، لا يَخرُج إلاّ من التيارات السُنية وهي تعلم أنّهم هم الأعداء الحقيقيين عقدياً وسياسياً، وهو ما يفسر سياسية أمريكا الأخيرة في استنهاض الأقليات الشيعية في الوطن العربي على حساب التيار السني الذي يعبر عن الأمة، لذا فهي تنظر لجماعة الحوثي التي يقول عنها المجتمع اليمني المظلوم إنها استوفت شروط الإرهاب بينما أمريكا تكتفي بهز الاكتاف، والسخرية من شعاراتهم.
الإرهاب هو التلويح بالسلاح في وجه الآخر دون وجه حق، لكن أمريكا أو المجتمع الدولي لا ترى ما تقوم به المليشيات من حصار وقتل في تعز منذ أشهر بأنه إرهاب من جماعة إرهابية، ولا يستطيع مُدعو بعض اليسار أن يَصِفوا ذلك الجنون على تعز بأنه إرهاب واسقاطه على الفاعل، كل ذلك لأن الإرهاب حالة “رهابوية” تسقطه أمريكا على من تشاء فكريا وسياسياُ، وليس نحن من نحدد ذلك.
ستواصل أمريكا في الحرب ضد أعدائهم الحقيقيين، وربما ستتصدر فرنسا كدولة موازية لأمريكا في معركة تحت هذا المصلح الفضفاض، لكن الشيعة والغرب سيكون لهم نائحات مستأجرة في أي حادثة، بينما سيكون السنة، أو المحسوبون عليهم لا بواكي لهم…. هل ترون أن تعز نموذجاً؟