المثقف والانقلاب
يُعرّف نعوم تشومسكي الأنبياء بكونهم مثقفون انشقوا عن السلطة المستبدة في زمانهم. وهو رأيٌ يمكن الرؤية من خلاله على عِظم دور المثقف في نقد السلطة والمجتمع من أجل توجيهه نحو الأفضل.
ويرى إدورد سعيد أن المثقف هو من يمتلك ملّكة المعارضة رافضاً للركود، حالماً بالتغيير، ولا يرضى إلا بلحظة الإبداع. وهو رأيٌ يُعرف العلاقة بين السلطة والمثقف إذ “تسوده الريبة والشك” ترسخت من خلال صراع دائم وتاريخي بين الطرفين، في ما يخدم المجتمع. وما يوضح هذا التوتر بين السلطة والمثقف ما قاله جوزيف جوبلز وزير الدعاية النازي: “عندما يقال كلمة مثقف، أتحسس مسدسي”.
ليست مهمة المثقفين أن يكونوا “كلاب حراسة” للسلطة أو للوضع القائم، ودائماً ما ينظر الجماهير إليهم لفلسفة أوضاعهم المختلفة السياسية والمجتمعية.
ونحن هنا نفرق بين الدولة والسلطة، فالمثقف مع الدولة ومؤسساتها فهي الحامية للمجتمع، الضامنة لمنهجية التغيير، وعندما تسقط الدولة أو تتعرض لهجوم أو “لانقلاب” تجد المثقف يسبق السياسيين والجنود في حماية هذه الدولة كجزء من مهمته في حماية المجتمع وحقوقه ومكتسباته والمبادئ التي يحملها.
في 20 سبتمبر/أيلول 2014 -ليلة سيطرة الحوثيين على الدولة اليمنية واجتياح صنعاء-، والأشهر التي سبقت ذلك التاريخ تبيّن بوضوح المثقف الذي يقف مع الدولة ونظامها الجمهوري، وأولئك الذين استمروا في مهمتهم كـ”كلاب للسلطة” على الرغم من كون “سلطة الانقلاب” الأمر الواقع أشد خطراً وفتكاً بالدولة والمجتمع من “السلطة العصابة” التي كانت تدير البلاد قبل فبراير 2011م. غُيبت الدولة وأُعيد الكهنوت البائد في أسوأ صوره وتاريخه البشع فحاولوا تغطية عيون المجتمع وانحازوا ضد الشعب وضد مستقبل أبنائهم وعائلاتهم.
وهؤلاء الذين ظهروا في دعم الانقلاب في تلك الفترة يرون أن مهادنة السلطة مهما كانت ظروفها والدائرة التي تحكم فيها هي وسيلة تحقيق طموحاتهم، الأمر نفسه عندما قرروا الخروج من الحوثيين وسلطة الانقلاب ومهادنته إلى “السلطة الشرعية” فقد وجدوا الجماعة المسلحة -كما تفع دائماً- تبتلع الجميع ليبقى صوتها فأصبحت طموحاتهم في محل خطر داهم، فرأوا أن القفز إلى القارب الأخر وسيلة أخيرة للنجاة.
في كل الحالات تذكرنا كُتب التاريخ بأولئك النخبة الذين كانوا “كلاباً للسلطة”، فعلى الرغم من أن التاريخ قد خضع لتعديل وتجريح من الأطراف المنتصرين إلا أنهم أبقوا على تاريخ “كلاب السلطة” وتلونهم ليبقوا عبرة للأخرين.
وأحداث اليوم ومواقف الجميع منها تصبح تاريخاً في المستقبل فليرحموا أنفسهم.