“دمت” اليمنية .. حضور السلاح وغياب السياحة
تشتهر مدينة “دمت” بمحافظة الضالع، جنوبي اليمن، بالحمامات البخارية الطبيعة، إذ كانت تستقبل المدينة الجميلة والهادئة، آلاف الزوار سنوياً. يمن مونيتور/ الضالع/ من محمد صالح المريسي
تشتهر مدينة “دمت” بمحافظة الضالع، جنوبي اليمن، بالحمامات البخارية الطبيعة، إذ كانت تستقبل المدينة الجميلة والهادئة، آلاف الزوار سنوياً.
كما انها كسبت أهميتها ودورها لوجود معالم سياحية بها، وكونها منطقة تتوسط الشمال والوسط والجنوب اليمني.
لكن حضور السلاح في “دمت” اليوم أصاب نشاط السياحة في مقتل، وباتت المدينة تعيش حالة حرب، فقدت معها كل شيء.
في الثامن من نوفمبر الجاري سقطت “دمت” بيد مسلحي الحوثي، فيما تتأهب المقاومة الشعبية وتحشد قواها لاستعادتها من قبضة الحوثيين.
دمت.. التاريخ والجغرافيا
تقع مدينة دمت في الجهة الشمالية لعاصمة المحافظة الضالع على بعد نحو (50) كيلو مترا، وتقع إلى الجهة الجنوبية للعاصمة صنعاء بحوالي (140) كيلو مترا، ويبلغ عدد سكانها حوالي (80) ألف نسمة، وتعد من أهم المنتجعات الطبيعية نظراً لوفرة مياهها الكبريتية الحارة التي تنبع بشكل طبيعي من عمق حوضها المائي دون حاجة لآلة ضخ حديثة، ما أدى إلى انتشار حماماتها الطبيعية بكل أنواعها وأشكالها المختلفة على كل أرجاء المدينة التي لا تزيد مساحتها عن (1،5) كيلو متر مربع.
تقوم هذه المدينة بدورها المحوري في فصول الماضي، وأحداث الحاضر في لم شمل شتات قبائل وأبناء الوسط المذحجين والسبئين وباقي القبائل هناك، ففي الثمانينات قارعت ومعها أبناء الوسط، مريس، العود، الرضمة، جبن، ومناطق من إب، الضالع، والبيضاء، حلقات صراعات مع مسلحي “الجبهة” في ذلك الوقت، واليوم عادت تلملم الوسط وتشهد وباقي المناطق المحيطة بها، من الشرق والجنوب والشمال حرب ومواجهات مع مسلحي الحوثي، وكأنه النضال يبحث عن “دمت” أو هي تبحث عنه.
يقول “نصر المسعدي”، صحفي من أبناء المدينة، “إن الأرض، الإنسان، الجغرافيا، والتاريخ عوامل كل واحد لا يقل أهمية عن الآخر، وجميعها شكلت بانوراما جلب الأنظار وأصبحت أهمية دمت لا تقل عن أكبر المدن اليمنية وعواصم المحافظات.
واضاف “المسعدي”، في حديث لـ”يمن مونيتور”، أن دمت الأرض أحتلت رأس المثلث لتكون نقطة الربط بين إب والضالع والبيضاء، كم أن الإنسان القادم من “دمت” وريفها قد أصبح في مقدمة الصفوف وبمراتب قيادية لا تستثن أي مجال”.
وأشار أن “تضاريس دمت الجغرافية إضافة نوعية جعلت من دمت شركة اقتصادية وحضور استثماري يجلب أنظار أصحاب رؤوس الأموال، ويجعلها في سلم الأولويات لديهم”.
وعن دورها التاريخي يتابع “المسعدي”، “يكفي العودة إلى نهاية ثمانينات القرن الماضي لاستقراء الدور النضالي الذي تميزت به دمت أكثر من غيرها بحكم الموقع، والأرض ومكانة الإنسان”.
معالم سياحية وتحديات قائمة
يوجد في هذه المدينة الكثير من المعالم السياحية، كالمنتجعات والفنادق والحرضات، وقلعة دمت.
كما تشتهر بوجود أبرز وأشهر الحمامات البخارية الطبيعية والصحية، والتي يصل عددها إلى ثمانية، هي حمام العودي، وبه يوجد أفضل فندق بالمدينة يقدم خدمات راقية، إضافة إلى حمامات الأسدي، الدردوش، الحسن، الديوان، وحمام الحساسية الذي أثبتت التجارب العلمية قدرته الفائقة في علاج الأمراض الجلدية.
وتشير نتائج بعض الدراسات التي أجرها باحثون، واطلع عليها مراسل “يمن مونيتور”، فإن لهذه الحمامات الطبيعية والعلاجية للمياه المعدنية الحارة فوائد علاجية لكثير من الأمراض سواءً بواسطة الاستحمام بالمياه أو شربها بعد تبريدها، كعلاج الالتهابات الروماتيزمية والتهاب المفاصل المزمن بدائي أو ثانوي، وأمراض المفاصل الناتجة عن ترسب أملاح حمض البولين، إضافة إلى علاج امراض الحساسية الجافة والشعب الهوائية المزمنة.
كما أن لهذه المياه فوائدها بواسطة الشرب لحالات التسمم المزمن وفي أمراض الزهري (في المرحلة الثالثة)، وهي مفيدة ايضاً في حالات فقر الدم لاحتوائها على عنصر الحديد.
النشاط السياحي
ضربت الحرب الدائرة في دمت السياحة، كما هو الحال في العديد من المدن اليمنية، إذ الأمن هو الركيزة الأساسية لاستمرار النشاط السياحي، وانعدامه يعني أن السياحة دخلت في حالة موت اجباري.
يقول مدير السياحة بالمحافظة، “عزالدين عبدالله”، إنه لم يتمكن من زيارة المدينة طيلة الشهور الأخيرة، نتيجة الحروب التي شهدتها المحافظة وما تزال مستمرة.
واعتبر “عبدالله”، في تصريح خاص لـ”يمن مونيتور”، أن “الأحداث التي تشهدها اليمن في الأعوام الأخيرة أصابت السياحة بالشلل التام، وهناك تدهور وتراجع مستمر على مستوى البلاد، وليس فقط دمت.
ونوه إلى “وجود حالات تهرب من قبل بعض المتنفذين في تجديد الرسوم وتسليم 5% نسبة من عوائد السياحة، إضافة لظواهر البناء العشوائي، وعدم اهتمام صندوق النظافة بذلك، وهذا يشوه وجه المدينة السياحية.
دمت تحت نيران الحرب
لم تكن مدينة دمت السياحة بمنأى عن الحرب، فقد خدش وجهها الجميل، ونالت نصيبها من الحروب التي تشهدها مدن يمنية عدة، بين المقاومة الشعبية ومسلحي الحوثي وحليفهم “صالح”.
و مع احتدام المواجهات التي شهدتها مدينة الضالع، جنوب اليمن، قرر أبناء المناطق الشمالية والغربية للمحافظة ضرورة الالتحام مع اخوانهم بالضالع والحصين فأنشأوا مجلس مقاومة يمثل محوريين (دمت ومريس وجبن) “المحور الأول” (وقعطبة والعود)، المحور الثاني، واندلعت معارك في هذين المحورين وعمليات كمائن، تكللت بسيطرة المقاومة الشعبية على مدن الضالع في الثامن من اغسطس الماضي، واستمرت ثلاثة أشهر يسودها الهدوء، لكن نيران المواجهات سرعان ما عادت بكل قوتها إلى مناطق شمال دمت، انتهت بسقوط المدينة بيد مسلحي الحوثي، الأحد الماضي، بعد معارك راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من الطرفين، وتضررت بسببها العديد من المباني والمساكن والمؤسسات الحكومية والخاصة.
وفي ظل الحرب الدائرة، تبقى دمت السياحية أسيرة السلاح، في انتظار من ينتشلها ويزيل الغبار عنها، ويعيد لها مكانتها التاريخية التي تليق بها.