غدر (الأغبري) ينعش الأمل
في كل جريمة قتل حدثت في بلدي , واغلق ملفها , ودخلت في طي النسيان , كنت أشعر بهزيمة الإنسان فينا , وانتصار الشيطان الجاثم علينا , كانت احلامنا تنهار , وتطلعاتنا تفكك , وطموحاتنا تتشوه .
كانت السياسة الملعونة تصور البعض ان تلك ضرائب استعادة الدولة والتغيير , وكان البعض مصدق انه يجاهد , جاهد النفس الامارة بالسوء , والحكم خارج القانون والشرع , جهاد يحلل قتل المسلم لأخيه المسلم , و الانسان لأخيه الانسان , جهاد مثل هذا يستهدف انسانيتنا واسلامنا , وقطعا نرفضه .
لازلت احتقر مواطنتي التي قبلت طي نسيان تلك الجرائم , المواطنة التي نست وتناست المغدور بهم .كأمجد عبدالرحمن و باطويل ورأفت دنبع والجنيد, وأئمة المساجد والمعارضين السياسيين , والضحايا من رجال الأمن ……..والقائمة طويلة وطويلة في عدن فقط لا يتسع هذا المقال لها ,وذهنيتي لسردها ,فكيف تعز وصنعاء وبقية الارض اليمنية , المواطنة التي تقبلت واقع الجرائم كحالة هامشية , لا منكر لابد ان يصحح , ولا بد من الإنصاف ويطال القانون ادواته وثقافته وخطابه المحرض .
حتى اتت الصدمة بجريمة المغدور به عبدالله الاغبري في صنعاء ,ليصحو مجتمع بضمائر كنا نعتقد أنها على سرير الموت , و واقع صنعاء لم يكن خالي من الجرائم , جرائم السياسيين والنافذين والمشرفين , بحجج عقائدية وطائفية وايدلوجية , جرائم تصفيات واقتحامات وتفجير مساكن وتهجير أسر , وسيناريوهات النهب والسطو المركب بتهم الارهاب والإخوان والتعاون مع العدوان , والاعتقالات والخطف الذي لم يستثني حتى النساء والأطفال , جرائم ينكرها منحاز طائفي أيدلوجي عفن , وتعز بالمثل جرائم تمتد على طول الخريطة الجغرافية لليمن .
المغدور به عبدالله الاغبري , قدم لكل مواطن يمني في الجنوب والشمال , درسا عميق في اصالة وارث وقيم واخلاقيات المجتمع اليمني , حين رفض ابتزاز أخلاقيات هذا المجتمع من قبل ثله حقيرة فيه , ورفع رؤوسنا عاليا , وان اليمن لازالت بخير وعافية , فيها رجال صادقون و اوفياء للقيم والأخلاقيات العامة والوطنية والانسانية , موجودين في كل مكان حتى في المنظومة السياسية المتهالكة , وفي قوات الأمن الغاشمة , برز نموذج رفض طي نسيان الجريمة , ونشر فيديوهات اثارة حفيظة المجتمع والناس , هذا الخير الذي فينا يكبر اليوم ويصطف ليوجه ضربته القاتلة للشر والشياطين في الوسط الاجتماعي والسياسي , بفضل أوفياء و صادقون قابضون على قيمهم في زمن الرداءة , حتى وجدت الفرصة لتنفجر في وجه كل رديء وتافه , في وجه الفرز الطائفي والمناطقي , وثقافة الكراهية , التي شوهت سلوك الكثير , ممن يبرر الانتهاكات بحجج قناعاته المشوهة , وشكوكه الساذجة .
الصدمة التي أحدثتها جريمة الغدر بعبدالله الاغبري في المجتمع اليمني ككل , إعادة الروح لضمير الأمة , والأمل في مجتمع رافض للانتهاكات والجرائم الانسانية , حتى في ظل النزاعات المسلحة , مجتمع قادر ان يفرض رأي عام , يحافظ فيه قيم وأخلاقيات تلك الامة , و يرفض فرض أمر واقع النزاعات بقوة غاشمة , ويرفض تحلل تلك القيم والأخلاقيات بمبررات واهية .
تفاعل المجتمع الرافض لتلك السلوكيات , بث روح التفاؤل في تكاثف الجهود لإعادة صف الخير ضد الشر , لرفض الانقسامات الطائفية والمناطقية , رفض العنف والبندقية في فرض واقع غير مقبول ولا مرغوب .
هذا الراي العام الذي تشكل , يمكن ان يكون رافدا للصف وطني وجمهوري وانساني لوقف الحرب العبثية , ويزيح ادواتها , ويحد من التدخلات الخارجية وتغذيتها , وينبذ كل مرتزقتها , يعيد للذاكرة يمن بأصالته وارثه وتاريخه , الرائد للحضارة الإنسانية في المنطقة , راي يصحو من بين ركام الحرب العبثية والقصف السافر , والانقسامات الصغيرة , ويرفض ادواتها الطارئة , ليعيد ترتيب البيت وادوات المجتمع المدني والانساني , بنخب همها وطن وانسان , حرية وعدالة ومساواة وانصاف , و وطن يستوعب الجميع بكل أطيافهم ومشاربهم الفكرية والثقافية , ونظام وقانون يضبط إيقاع الحياة وينظم العلاقات ويجرم الصراعات السلبية والنعرات والتواطؤ لخدمة الأطماع الخارجية .