“قياس آثار العنصرية”.. عن “التروما” والجروح النفسية (كتاب)
منذ أن بدأت الاحتجاجات الأخيرة ضد الممارسات العنصرية وعنف الشرطة الأميركية ضد السود، ازدادت إصدارات الجامعات الأميركية من دراسات وكتب تتناول جوانب مختلفة من تاريخ العنصرية في أميركا وآثارها الثقافية والنفسية وحتى الصحية، فقد صدر مثلاً كتاب عن علاقة السكّري بالعنصرية، وربط ذلك بالنظام الصحي والاجتماعي، إلى جانب كتب تناولت العنصرية في الرعاية الاجتماعية وفي السجون.
مؤخراً، أصدرت “منشورات جامعة كولومبيا” كتاباً بعنوان “قياس آثار العنصرية: إرشادات لتقييم وعلاج إصابات الصدمة والتوتر بسبب العرق” لمؤلفيه أستاذي علم النفس والتحليل النفسي روبرت ت.كارتر وأليكس إل بيترس.
التفت النفسانيون إلى الأثر السيكولوجي للعنصرية بعد حادثة وقعت في الأول من شباط/ فبراير عام 1960، حين جلس أربعة طلاب جامعيين أميركيين من أصل أفريقي في مطعم وولورث في غرينزبورو بكارولينا الشمالية، وطلبوا الخدمة بأدب، فتم رفض طلبهم. وعندما طُلب منهم المغادرة، ظلوا في مقاعدهم. ساعدت مقاومتهم السلبية واعتصامهم السلمي على إشعال حركة يقودها الشباب لتحدي عدم المساواة العرقية في جميع أنحاء الجنوب.
كثيراً ما تجري الإشادة بالتأثير الفوري والمؤثر لهؤلاء الطلاب الأميركيين الأربعة من أصل أفريقي على حركة اللاعنف خلال حقبة الحقوق المدنية، ومع ذلك، فإن الضغط الشخصي الهائل الذي من المحتمل أنهم مروا به أثناء جلوسهم على لتلك المقاعد لا يؤخذ في الاعتبار.
بعد هذه الواقعة بسنوات بدأت “سلسلة العرق والصحة في أميركا” تعمل على رفع مستوى الوعي حول التأثير الفسيولوجي والنفسي للعنصرية والتمييز من حيث صلته بالإجهاد. وبات هناك تركيز على الحالة المزمنة للتوتر بسبب انتشارها وتأثيرها على الصحة ضمن مجموعات سكانية متفاوتة الصحة (مثل الأشخاص الملونين)، وارتباطها الكبير بالعديد من الأمراض المزمنة الأخرى، وكان رائد هذا الاهتمام بالعلاقة بين الصحة النفسية والعنصرية النفساني جول هاريل الذي لفت إلى التروما والتوتر والصدمة والاضطرابات النفسية الناتجة من الضغوطات اليومية على الملونين في أميركا.
في مقدمة كتاب “قياس آثار العنصرية”، يرى الباحثان أن مجموعة كبيرة من الأبحاث توصلت إلى وجود علاقة سببية بين تجارب التمييز العنصري والآثار السلبية على الصحة العقلية والبدنية.
ويُعد الكتاب دليلاً للمتخصصين في الصحة العقلية حول كيفية فهم وتقييم ومعالجة آثار العنصرية كضرر نفسي، حيث يتضمن إرشادات حول كيفية التعرف على الآثار النفسية للعنصرية والتمييز العنصري، ويقترح نهجاً لفهم العنصرية يربط بين تجارب وحوادث معينة والاستجابة النفسية والعاطفية للفرد.
يشرح الكاتبان بالتفصيل كيفية تقييم التأثيرات المحددة للمواجهات القائمة على العرق التي تنتج ضائقة نفسية وربما ضعفاً أو صدمة. يحدد كارتر وبيترس التدخلات العلاجية لاستخدامها مع الأفراد والجماعات الذين عانوا من الصدمات العرقية، ويلفتان الانتباه إلى أهمية الوعي العنصري لدى من يمارس الطب النفسي.
يعرض الكتاب مجموعة أدوات لتقييم الصدمات العرقية، بما في ذلك مقياس أعراض الإجهاد الناتج عن العرق وما هي الأسئلة التي لا بد أن تطرح لدى مقابلة المريض. كما الكتاب إطاراً جديداً للإجهاد الناتج عن العرق الذي يساعد على إضفاء الشرعية على ردود الفعل النفسية لتجارب العنصرية.
يُذكر أن روبرت كارتر أستاذ علم النفس والتربية في جامعة كولومبيا. من أهم كتبه: “مواجهة العنصرية: دمج أبحاث الصحة العقلية في الاستراتيجيات والإصلاحات القانونية” (2019). أما أليكس ل. بيتيرس فهو طبيب نفساني وأستاذ مشارك في برنامج الإرشاد النفسي بجامعة ولاية نيويورك، ويعمل أيضاً مستشاراً في مجال التنوع العرقي.
عرض: (العربي الجديد)