مبادئ بناء السلطة السياسية وأداؤها في الإسلام (عرض كتاب: السنة السياسية 2-2)
في الحلقة السابقة كنا قد عرضنا الهدف الرئيس لكتاب “السنة السياسية في بناء السلطة وأداؤها” للمفكر العربي الدكتور محمد بن المختار الشنقيطي، وقد أجاد في تعريفه للحاكم وحصر مهمته كـ “أجير” حسب التصور الإسلامي الراقي، وفي هذه المساحة نحاول استكمال عرض الكتاب؛ مع التنبيه على أنه يجب استحضار القراءة الواعية للمصطلحات ذات الدلالات العلمية والتي تسهم في اختصار الكثير من الجدل، سواء من المتشكك والناقد للإسلام كدين ودولة، أو من ذوي الآراء المنحازة لقضية من القضايا بين التيارات الإسلامية.
حسين الصوفي/خاص/ يمن مونيتور
في الحلقة السابقة كنا قد عرضنا الهدف الرئيس لكتاب “السنة السياسية في بناء السلطة وأداؤها” للمفكر العربي الدكتور محمد بن المختار الشنقيطي، وقد أجاد في تعريفه للحاكم وحصر مهمته كـ “أجير” حسب التصور الإسلامي الراقي، وفي هذه المساحة نحاول استكمال عرض الكتاب؛ مع التنبيه على أنه يجب استحضار القراءة الواعية للمصطلحات ذات الدلالات العلمية والتي تسهم في اختصار الكثير من الجدل، سواء من المتشكك والناقد للإسلام كدين ودولة، أو من ذوي الآراء المنحازة لقضية من القضايا بين التيارات الإسلامية.
وفي كتابه ذكر المؤلف أن أهم معيارين يجب أن تكون في الحاكم “القوة والأمانة” وفسّر القوة بالخبرة السياسية والعسكرية والفنية، فيما أكد أن الأمانة هي ضمير الحاكم ومراعاته لله في ذاته وفي الشعب، ومن الأمانة الزهد في السلطة وعدم تشبثه بالكرسي ونظافة يده حتى تصان السلطة والثروة.
ولأنه ثبت علميا وفطرياً أن من تتوافر فيهم “القوة والأمانة” قليلون، فقد أشار إلى مبدأي “الموائمة والتكامل” لحل إشكال اختيار القوي الأمين، وذلك في الوظيفة العامة وفي كل شؤون الدولة، وعرّف “الموائمة بأنها: إدراك ملابسات المنصب وصلة ذلك بأشخاص معينين بغض النظر عن خبراتهم الشخصية”، أما التكامل: فقصد به “صدق الحاكم مع نفسه وإدراكه لنقاط ضعفه ليبحث عن ذوي الخبرة لإكمال النقص بمستشارين من الشعب حتى لو كان “قوي أمين”، فالتوازن المطلق كمال مطلق حسب رأي المؤلف.
ولأهمية دور وحساسية المنصب السياسي والسلطة السياسية في خدمة الشعب وتسيير شؤونه بالشكل الأمثل والأفضل من حيث الخدمات والإدارة السياسية والسيادية والتنموية وغيرها، فقد لفت المؤلف إلى أن فوق وجوب تحلي الحاكم بـ “القوة والأمانة”، إلا أن الإسلام اعتمد مبادئ غاية في الأهمية لحماية الشأن العام للأمة وحفظ القرار المصيري بيد الشعب صاحب السلطة، وذلك بمبدأي “الشورى والمشاورة” والذان “يعصمان من الزلل” كما اختار المؤلف.
ومبدأ الشورى في “بناء السلطة” من اختيار الحاكم، والدستور، والمؤسسات، فيما فرض الإسلام مبدأ “المشاورة” في “أداء السلطة” واتخاذ القرارات واعتماد الخطط والموازنات والنفقات والاستراتيجيات، وتنفيذها.
وبهذا التفصيل المنهجي المحكم، فصل بين “الشورى والمشاورة” وحدد طبيعة كلا منهما، فالشورى ملزمة وواجبة، كونها في بناء السلطة واختيار الحاكم الأكثر التصاقا بصفتي “القوة والأمانة” من غير غلبة ولا توريث!
أما مبدأ المشاورة فهي “بين الإلزام والاستعلام” وأشار أنه مبدأ في غاية الأهمية، وذلك عقب بناء السلطة واستقرار الدولة، يبدأ العمل مباشرة به، في تسيير شؤون الدولة، وقد فصّل حول متى يكون الحاكم ملزم بالمشاورة، ومتى يكون من حقه الاستعلام، لكن في كل حال يجب أن يطلع الشعب على كل خطوة.
وبكل ثقة وهدوء واختصار خرج المؤلف من التعقيدات والجدليات التي لا تزال بؤرة في التراث والفقه الإسلامي لدى بعض من أصيبوا بقصور في الفهم، ناقش قضية مشاركة المرأة في بناء وأداء السلطة بعنوان صغير مختصر “مشاركة المرأة .. إني من الناس” وذلك عندما أورد نقاش خاضته جارية أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حيث نادى النبي صلى الله عليه وسلم “أيها الناس” فخرجت أم سلمة، فقالت لها الجارية” إنما أراد الرجال” فقالت لها استأخري عني “إني من الناس”، وأوضح بشواهد من نصوص القرآن الكريم لمدلولات مفردة “الناس”.
وكما بدأ رسالته ببيتين من الشعر، فقد استحسن المؤلف أن يختمها ببيتين لبشار بن برد حيث قال:
إذا بلغ الأمر المشورة فاستعن برأي نصيح أو مشورة حازم
ولا تحسب الشورى عليك غضاضة فإن الخوافي قوة للقوادم
بكل هذا الهدوء والاسترخاء، يقول لكم الشنقيطي، المفكر الكبير:
هذه السلطة وتعريفاتها وأطرافها وملكية الشعب لها، وهذه مبادئ الإسلام ومنهجيته في التعاطي مع أهم وأدق الملفات حساسية في الحياة، “ملف الدولة وبناء السلطة وأدائها” وهي صفعة في وجه كل متحامل على الإسلام، كما هي وخزات لكل من يتنكر للمبادئ والقيم الكبرى في الإسلام، ودعوة للعودة إلى مبادئ الإسلام الحنيف.
تخيلوا أن كل ذلك العلاج فقط في46 صفحة، وهي رسالة مهمة وقوية وفريضة الاطلاع الآن.