رواية «مزرعة الحيوان» لجورج أورويل… ثورة ضلت طريقها
زيد خلدون جميل
تحتل رواية «مزرعة الحيوان» (Animal Farm) الرمزية موقعا بالغ الأهمية في مجال الأدب السياسي، فهي كرواية رمزية مثّلت نظرة نقدية لأحد أهم الأنظمة السياسية في القرن العشرين، ألا وهو النظام السوفييتي، الذي كان قوة سياسية وعسكرية عظمى في العالم، واعتمد على فكرة نشر فكره الشيوعي، وبالتالي نفوذه، في جميع أركان الأرض. وصاحب نجاح الرواية لدى النقاد، رواجا لها غير عادي بين القراء، ما جعلها إحدى أكثر الروايات مبيعا في التاريخ الحديث.
تدور أحداث الرواية عن مزرعة في بريطانيا يملكها رجل كسول يعاقر الكحول، ويعاني من أزمة مالية. ويقوم خنزير عجوز بإخبار بقية الحيوانات بحلم يراوده حول ثورة تقوم بها الحيوانات ضد الإنسان والعيش بحرية. ولكن بعد وفاة الخنزير العجوز يقود اثنان من شباب الخنازير الثورة ضد صاحب المزرعة وتنجح في طرده والاستيلاء على المزرعة. ويختلف الخنزيران القائدان بينهما، فقد كان أحدهما أنانيا ومتآمرا، بينما كان الآخر مهتما بمصالح الحيوانات، وإصلاح المزرعة وأسس نظرية فلسفية حول مجتمعهم الحيواني. ولكن الخنزير الأناني ينجح بمكيدة عنيفة في التخلص من منافسه، الذي يفر من المزرعة خوفا على حياته. ويؤسس الخنزير الأناني نظاما ديكتاتوريا فاسدا، حيث ينصّب نفسه حاكما مطلقا ومستبدا، وأخذ يستحوذ على أرباح المزرعة، ويبيع الحيوانات كي يشتري لنفسه وبقية الخنازير التي تعاونه جميع وسائل الترفيه، تاركا بقية الحيوانات تعاني الحياة الشاقة وقلة الطعام. ويقتل الخنزير الحاكم على كل من يعترض على قراراته، بحجة أنه عميل للخنزير الهارب، الذي لا يظهر في المزرعة مرة أخرى.
وتكتشف الحيوانات أن تلك الخنازير، أخذت ترتدي الملابس وتمشي كالإنسان. وقام الخنزير الحاكم بدعوة أصحاب المزارع المجاورة على مأدبة للتوصل إلى اتفاق تجاري. وبعد الكثير من الكحول والطعام والمجاملات، بدا الجميع بالمقامرة، فاذا بمشاجرة عنيفة وصاخبة تنشب بينه وبين صاحب مزرعة مجاورة، حيث اكتشف كل منهما أن الآخر يغش. وفي هذه الأثناء كانت الحيوانات تراقب ما يحدث من خلال الشبابيك، بدون أن تستطيع أن تميز من هو الخنزير ومن هو الإنسان.
تحليل الرواية
قال أورويل نفسه، إن الرواية هي نقد للنظام الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، والتشابه بين الرواية وتاريخ الاتحاد السوفييتي واضح للعيان، فمثلا مثلت ثورة الحيوانات ضد صاحب المزرعة الثورة البلشفية في روسيا، التي أطاحت بالنظام القيصري، فقد مثّل صاحب المزرعة في الرواية النظام القيصري الذي حكم روسيا قبل الثورة الشيوعية. أما الخنزير العجوز في بداية القصة، فقد مثل كارل ماركس ولينين في الآن نفسه، وكان لينين الذي قاد الثورة الشيوعية في روسيا، وكان كذلك من فلاسفة الثورة الشيوعية. وفي التاريخ الروسي كانت وفاة لينين، نقطة بداية صراع دموي على قمة السلطة في روسيا الشيوعية، أي الاتحاد السوفييتي (المزرعة في الرواية) بين ستالين (الخنزير الحاكم في الرواية) ومنافسيه، وكان أبرزهم تروتسكي (الخنزير الخاسر في الرواية) الذي لم يكن أقل شرا ووحشية من ستالين. وانتهى هذا الصراع بانتصار ستالين على منافسيه وهروب تروتسكي، فيلسوف الثورة وزميل لينين في النشاط الفكري، وهذا ما حدث كذلك في الرواية. وكما حدث أيضا في الاتحاد السوفييتي، قاد الخنزير الحاكم (ستالين) حملات تطهير داخل المزرعة للقضاء على كل أشكال المعارضة. واستمرت أوجه التشابه حتى النهاية المتمثلة في اجتماع الخنازير بمالكي المزارع المجاورة، حيث يبدو أن أورويل، كان يشير في اجتماع الخنازير بأصحاب المزارع المجاورة، باجتماع ستالين بزعماء الغرب في نهاية الحرب العالمية الثانية، وأن الطرفين كانا يفتقران إلى المصداقية في النية والتعامل.
تستمر رواية «مزرعة الحيوان» في نجاحها النقدي والتجاري محققة أرقاما قياسية في عالم النشر. ومن المتوقع أن تزداد مبيعاتها قريبا بسبب انتهاء فترة حقوق عائلة جورج أورويل في النشر هذه السنة، ما سيزيد من عدد دور النشر التي تنشرها.
ميزت الطبيعة الرمزية الرواية «مزرعة الحيوان» أشهر أعمال أورويل، إذ نجدها كذلك في رواية «1984»، ولكن ما يميز «مزرعة الحيوان» هو تناولها لحدث عاصر الكاتب بينما تطرقت الرواية الثانية إلى عالم خيالي قد يحدث، حسب أورويل، في المستقبل. ولكن «مزرعة الحيوان» افتقرت إلى العمق الذي ميز «1948». وبالتالي، نجد الرواية الثانية أكثر نجاحا من الأولى، وأعمق تأثيرا في الأدب السياسي العالمي، كما أنها الأكثر ذكرا من قبل الكتاب السياسيين والسياسيين المحترفين. وتشترك الروايتان في اختلاق تعابير دخلت اللغة الإنكليزية للطبقات المثقفة مثل «الجميع متساوون، ولكن البعض متساوون أكثر من الآخرين» (All are equal but some are more equal than others) الذي كان مصدره «مزرعة الحيوان» في وصف الخنازير المكونة للطبقة الحاكمة في المزرعة.
قد يعتقد القارئ أن أورويل كان معاديا للشيوعية، إلى درجة أنه نشر كتابا شهيرا ضدها، ولكن هذا غير صحيح، حيث أن الرواية لم تكن معادية للشيوعية، بل معادية لستالين وحسب. ولم ينتقد أورويل، كارل ماركس أو لينين وتأييده الواضح لتروتسكي، الذي شارك في صناعة القرار في العهد الشيوعي. ولم ينتقد كذلك الثورة الشيوعية البلشفية التي قتلت العائلة المالكة الروسية، وقامت بحملات تطهير واسعة في المجتمع الروسي، ووجهت ضربة موجعة للثقافة الروسية، ولكن أورويل، لم يأبه بهذا وخص ستالين بنقده، وقد تكلم أورويل بنفسه عن ضرورة إعادة المسار الاشتراكي إلى الطريق الصحيح. ومما هو جدير بالذكر أن أورويل كان قد شارك في الحرب الأهلية الإسبانية (1936 ـ 1939) إلى جانب الفصائل الجمهورية المؤمنة بأفكار تروتسكي، والمضادة لقوات فرانكو والتي كانت في الوقت نفسه في صراع عنيف مع الفصائل المؤيدة لستالين. وكان النجاح حليف الفصائل المؤيدة لستالين في هذا الصراع.
نشر الرواية
بدا أورويل بكتابة الرواية عام 1943 وانتهى في العام التالي، ولكن نشر الرواية لم يكن بسهولة كتابتها، فقد كتب أورويل، أنه عرض الرواية على أربعة دور نشر بدون نجاح. وكان سبب الرفض، حسبه سياسيا، إذ لم تكن الحكومة البريطانية راغبة في الإضرار بعلاقتها الجيدة مع حليفها آنذاك الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية، على الرغم من أن دار «كنوبف» (Knopf) للنشر عللت الرفض باعتقاد الإدارة أن الرواية كانت غبية. أما دار فابر أند فابر (Faber and Faber)، فقد كان جوابها عن طريق أحد مديريها وهو الشاعر الشهير تي أس أليوت، الذي وجد الرواية غير مقنعة، وأنه طالما الخنازير في الرواية هم الأذكى بين الحيوانات، فلماذا لا يحكمون؟ وأضاف أليوت، أن الرواية ضد الاتحاد السوفييتي ومؤيدة لتروتسكي، ولذلك، فإن ظروف الحرب العالمية الثانية لا تشجع على النشر، حيث أن الاتحاد السوفييتي كان حليفا لبريطانيا. وقام مدير أحد دور النشر بالاتصال بوزارة الإعلام البريطانية، التي كانت موجودة أثناء الحرب العالمية الثانية، ونصحه موظف الوزارة بعدم النشر، وقيل إن ذلك الموظف كان على الأرجح عميلا للمخابرات السوفييتية، كان قد جُنّدَ من قبل الجاسوس البريطاني الشهير كيم فيلبي. ولم يكن أورويل متفاجئا، إذ توقع هذه المعضلة، وكتب عن مشاعر السخط تجاه ما سماه بالجبن الثقافي في بريطانيا. ولكن حظ أورويل تغير في نهاية المطاف، حيث قبلت دار نشر خامسة نشر الرواية عام 1945 قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية محققة نجاحا كبيرا، ما يزال مستمرا حتى الآن، حيث بيع أكثر من مئة الف نسخة من الرواية عام 2019 وحسب. وكان ذلك قرارا صائبا من قبل دار النشر، التي لم تكن متخصصة بنشر الروايات أصلا، وقامت لاحقا بنشر رواية أورويل الثانية «1984» التي حققت نجاحا أكبر من الأولى، وبيع منها عام 2019 فقط اكثر من 400000 نسخة. ولم يكن رفض عدة دور نشر للرواية شيئا غريبا في عالم النشر، فقد سبق أن رُفِضَت روايات حققت نجاحا باهرا، ومنها رواية «هاري بوتر» التي رفضتها ثمانية دور نشر في بادئ الأمر.
احتار الخبراء في تفسير سبب الشعبية الكبيرة لرواية «مزرعة الحيوان»، فقد يكون السبب شعورا خفيا في أعماق القارئ بأن الرواية في الحقيقة تعبر عن مشاعر الخوف التي تنتابه تجاه السلطة. وعلل البعض أن الرواية تمثل تحذيرا لما قد يحث في المستقبل، أو أن الرواية تعبر عن سعادة القارئ لكون حياته أفضل مما وصفته الرواية. وقد يكون السبب كون الرواية تمثل بالنسبة للبعض نوعا من أدب الأطفال بدون أي اعتبار أيديولوجي.
تستمر رواية «مزرعة الحيوان» في نجاحها النقدي والتجاري محققة أرقاما قياسية في عالم النشر. ومن المتوقع أن تزداد مبيعاتها قريبا بسبب انتهاء فترة حقوق عائلة جورج أورويل في النشر هذه السنة، ما سيزيد من عدد دور النشر التي تنشرها.
المصدر: القدس العربي