بالقرب من جولة سنان، بمدينة تعز، وسط اليمن، يجلس الطفل” عادل سلطان” ذو الخمسة عشر ربيعا على كرسيه، ليبيع البنزين، كل يوم لساعات طويلة تتجاوز في بعض الأيام العشر ساعات. تعز/ يمن مونتيور/ من وئام عبدالملك
بالقرب من جولة سنان، بمدينة تعز، وسط اليمن، يجلس الطفل” عادل سلطان” ذو الخمسة عشر ربيعا على كرسيه، ليبيع البنزين، كل يوم لساعات طويلة تتجاوز في بعض الأيام العشر ساعات.
في هذه المنطقة، كثيرا ما تتساقط القذائف، وتختطف البعض من الحياة، تاركة آثارها على بعض المنازل والمحلات التجارية.
يتحدث “سلطان”، ل”يمن مونيتور” عن رحلة شاقة يتكبدها لجلب البنزين من منطقة “بير باشا” أو من “الحوبان” شرق تعز، عن طريق الباعة هناك، سواء الذين يمتلكون براميل نفط، ٱو الذين يملؤون خزانات سياراتهم بالبنزين، ثم يقوموا بإفراغها وبيع الوقود للباعة الأصغر”.
وأضاف، “أن الموردين الكبار، يقوموا بإحضاره من مديرية “طور الباحة” بمدينة “لحج”، أو من عدن (جنوبا)، وإدخاله إلى المدينة، ودفع مبالغ باهظة في كل نقطة أمنية يمرون عبرها، ما يؤدي إلى ارتفاع سعره”.
خوف وحاجة
يقول سلطان، “بعد أن أصيب بعض أصدقائي الذين يبيعون البنزين، في شارع “التحرير” بوسط المدينة بشظايا جراء القصف في مجزرة الحادي والعشرين من أكتوبر الماضي، شعرت بخوف، فأنا معرض مثلهم لخطر الإصابة بالقذائف والشظايا والرصاص، فلا شيء يقيني حر الشمس، أو طيش تلك الشظايا، إلا أني مُعيل أسرتي الوحيد، وهذا مصدر رزقنا المتاح”.
وفي مساحة لا تزيد تقريبا عن خمسين مترا، في جولة سنان وما حولها، هناك أربعة عشر بائعا للوقود، بنزين، وديزل، وأكثرهم من الأطفال، وسط إقبال كبير، كونهم مصدر الوقود في المدينة.
يبلغ سعر دبة البنزين (20 لترا) حوالى أحد عشر ألف ريال (50$)، ويبلغ ما يحصل عليه” عادل” من ربح نحو ألفي – أربعة ألف ريال، وهو ما أكده “رائد حسام”، الأصغر سنا من عادل، والذي يبلغ من العمر اثني عشر عاما، ويعمل منذ الثامنة صباحا، وحتى السادسة مساء.
يقول “حسام” ل” يمن مونتيور”، “نقوم بتهريب البنزسن من مفرق” الذكرة”، أو ماوية، بطرق شتى، بالتعاون مع بائعي القات، وإذا ما قام أتباع الحوثيين و”صالح” بتفتيش السيارة التي يتم إخفاء الوقود فيها، يتم إعطاءهم بعض المال مقابل السماح بدخولها، لافتا، “نبيع البنزين في الشوارع والجولات، لأطعم نفسي ووالدي، الذي أصبح عاطلا عن العمل منذ اندلاع الحرب في تعز، حيث كان يعمل خطاطا”.
أجبرت الحرب الطفل “حسام” والكثيرين ممن فقدوا وظائفهم، إلى كسب خبرات عن الحياة التي لا تفاوض ولا ترحم، وتفوق السنوات التي مضت من عمرهم.
جباية أموال ومعاناة
محطات الوقود في تعز تخلو من المشتقات النفطية، بسبب الحصار المفروض على المدينة من قبل الحوثيين والقوات الموالية ل”علي عبدالله صالح”، وأصبحت نقاط التفتيش التابعة لهم، مصدرا للكسب وجباية الأموال، فمقابل إدخال أي من مستلزمات الحياة، يدفع المواطن أموالا كثيرة، ما لم فيتم مصادرتها، وفي كل وجه في المدينة المحاصرة قصص، مليئة بوجع رحيل أو إصابة أو هم غذاء أو مرض أو خوف.
“محمد سعيد”، قدم من مديرية “الوازعية”، التابعة لمحافظة تعز قال ل”يمن مونتيور”، “استأجرت سيارة بعشرين ألف ريال نحو (80 دولارا)، لأتمكن من دخول المدينة بعد أن أصيب ابني بفيروس في العين، وهذا يفوق قدرتي المالية، وكان العلاج بألف وسبعمائة ريال، وهو مبلغ زهيد، إذا ما قورن بالمبلغ الذي دفعته للمواصلات، وإن لم أفعل ذلك فسيفقد ابني بصره في أقل من أسبوع، كما أخبرني الطبيب”.
عدم توفر مادة “الديزل” جعل العديد من المستشفيات وسط المدينة، تغلق أبوابها كمستشفى”الحمد” بتعز، والذي اضطر كذلك إلى تسريح موظفيه، فيما اضطر مستشفى “الأهدل التخصصي لأمراض وجراحة العيون” إلى أن يقلص فترة الدوام إلى ثلاث ساعات في اليوم، بحسب ما ذكر ل”يمن مونتيور” مدير المستشفى، طلال عبدالغني.
ونظرا لارتفاع سعر البترول الذي يصل أحيانا إلى أكثر من أربعة عشر ألف ريال، اضطر العشرات من المواطنين إلى عدم استخدام المولدات الكهربائية، وسهروا لياليهم التي لا تخلو من الخوف والقلق، على ضوء الشموع، إن تمكن بعضهم من شرائها، بعد أن أصبح المواطن المسؤول عن كل حاجياته، في ظل ارتفاع الأسعار بشكل كبير.
الأفران تأثرت بسبب انعدام الوقود، أو ارتفاع أسعاره، ما اضطر صاحب” فرن الصلوي” بتعز، إلى اللجوء إلى استخدام الحطب، ويحتاج كل ثلاثة أيام إلى استهلاك الحطب والأخشاب بمبلغ يصل إلى خمسة وعشرين ألف ريال، كما ذكر ذلك “حمدي عبدالصمد”، أحد عمال الفرن.
وذكر الصحفي اليمني المتخصص في شؤون الاقتصاد، محمد العبسي، ” أن نحو 200 ناقلة وقود، على الأقل، تدخل اليمن أسبوعيا، عبر منفذ “الوديعة” الحدودي تابعة لمشايخ أو رجال أعمال، ومتنفذين وشبكة واسعة من المستفيدين من السوق السوداء وتجارته، وبأن سعر لتر البنزين قريب من السعر العالمي 45 هلله عن كل لتر، أي أن سعر الجالون 20 لتر، التي تدخل إلى اليمن من السعودية وعمان بسعر 600 ريال يمني، في حين يباع في صنعاء ومدن أخرى الجالون بعشرة ألف ريال أو 8 ألف ريال.
وبحسب كشف حركة السفن في ميناء الحديدة خلال الثلاثة الأشهر المنصرمة والذي يبين وصول عدد خمسة عشر باخرة، تحمل 9 سفن منها الوقود (بنزين وديزل)، إضافة إلى 6 سفن أخرى، تحمل مواد شحن أخرى، ومثلها، إن لم يكن أكثر، عدد السفن المحملة بالوقود الواصلة إلى رأس عيسى، باعتباره أكثر استقبالاً للسفن المحملة بالوقود، يضاف إليها أربع سفن أخرى مذكورة في الرسالة التي بعثها محمد مارم مدير مكتب هادي إلى قيادة قوات التحالف، لم تذكر في كشف حركة الملاحة لميناء الحديدة”.