إعادة بناء القوات البحرية اليمنية في ظل الصراع الداخلي والمصالح الإقليمية
يمن مونيتور/ صنعاء/ متابعة خاصة:
خلص تحليل لمركز دراسات في واشنطن إلى أنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق سياسي دائم لإنهاء الصراع في اليمن فستبقى البلاد منقسمة وعاجزة عن اتخاذ موقف متماسك بشأن القضايا التي تؤثر على الاستقرار البحري.
ولفت معهد دول الخليج العربية في واشنطن إلى أنه بعد مرور أكثر من خمس سنوات على الحرب، أضحت اليمن مجزأة سياسياً، وانعكس هذا الواقع على قواتها البحرية وخفر السواحل والبحرية. وعلى الرغم من زيادة نشاط دوريات المراقبة اليمنية في النصف الأول من عام 2020، إلا أن إعادة بناء القوات البحرية اليمنية بشكل فعال لن يتحقق ما لم يتم التوصل لاتفاق سياسي دائم لإنهاء الصراع.
وكتبت التحليل إليونورا أرديماجني الباحثة في المعهد الإيطالي للدراسات الدولية. وقالت الباحثة إن السعودية والولايات المتحدة تركزان على تعزيز خفر السواحل، وتحويل اهتمامهم من منع الأنشطة الإرهابية إلى مكافحة تهريب الأسلحة من إيران، والتصدي لحرب الحوثيين البحرية غير المتكافئة. “فالمدن الساحلية مثل الحُديدة وعدن والمكلا تخضع لفصائل متصارعة تتلقى دعماً من أطراف خارجية مختلفة. ويعد هذا انعكاساً للتنافس بين دول المنطقة في البحر الأحمر وباب المندب والقرن الأفريقي، وهو ما يعرض القوات البحرية اليمنية للنزاعات الجيوسياسية”.
اللغز الشائك للمدن اليمنية الساحلية
تكشف مدن اليمن الساحلية عن كل التعقيدات في المشهد السياسي-العسكري في البلاد، وتعج المناطق الحدودية في اليمن بمزيجٍ من الولاءات والأجندات المتنافسة. في محافظة حَجَّة على ساحل البحر الأحمر، تخضع مدينة ميدي الساحلية الصغيرة، بالقرب من منطقة جازان السعودية، لسيطرة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. ويحتفظ الحوثيون المدعومون من إيران بالحديدة والصليف ورأس عيسى (وهي ميناء مهم للمساعدات الإنسانية وصادرات النفط) المتنازع عليها.
ولفت المعهد إلى أنه “تمت بلورة توازن القوى هذا من خلال التنفيذ البطيء والمضطرب لاتفاقية ستوكهولم لعام 2018 بوساطة الأمم المتحدة. عندما سيطر الحوثيون على الحديدة في أواخر عام 2014، وقفت عدد كبير من القوات البحرية اليمنية المتواجدة في منطقة الحديدة إلى جانبهم ضد المؤسسات الانتقالية التي تأسست في نوفمبر/تشرين الثاني 2011. ومن هذه المنطقة باشر الحوثيون شن هجمات بحرية بالصواريخ والطائرات المسيرة، وواصلوا تنفيذ أعمالهم الحربية غير المتكافئة بوتيرة أقل حدة باستخدام وسائل متفجرة محلية الصنع، تنقل عبر المياه، والألغام البحرية”.
وأضاف المعهد: وبالانتقال جنوباً، إلى منطقة تعز الساحلية وباب المندب، وتحديدًا موانئ المخا وذباب، فتخضع لسيطرة قوات الساحل الغربي، التي تدعمها الإمارات العربية المتحدة، وهو تحالف فضفاض ومهجن من المليشيات برئاسة طارق صالح، ويضم قوات المقاومة التهامية وألوية العمالقة وبقايا الحرس الجمهوري المنحل.
وتابع المعهد: لا تزال عدن منقسمة بين الموالين لهادي والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يميل للانفصال. وفي حين تواصل المملكة العربية السعودية جهودها لتنفيذ اتفاق الرياض المبرم في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، إلا أن عدن لا تزال تخضع لسيطرة قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، والمدعومة بشكل غير رسمي من الإمارات. أما زنجبار في محافظة أبين، وبلحاف في محافظة شبوة، التي تحتوي على محطة الغاز الطبيعي المسال الوحيدة في البلاد، فما زالتا موضع نزاع بين حكومة هادي وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي. في محافظة حضرموت، تحتفظ حكومة هادي رسمياً بمينائي المكلا والشحر، اللذين يخضعان لسيطرة الأمر الواقع لقوات النخبة الحضرمية. قوات النخبة الحضرمية، التي عمل الإماراتيون على تنظيمها وتدريبها منذ عام 2016 لتوفير الأمن المحلي والتصدي للقاعدة في شبه الجزيرة العربية، لا تتبع للمجلس الانتقالي الجنوبي بالرغم من أنها تسعى أيضاً إلى الحكم الذاتي الإقليمي. وكان محافظ حضرموت من بين الذين رفضوا إعلان الحكم الذاتي من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي في أبريل/نيسان. أما في المهرة ونشطون والغيضة، فتخضع هذه الموانئ لإشراف القوات العسكرية السعودية والجماعات المحلية المتحالفة معها منذ عام 2017 لمنع التهريب. في أعقاب التصعيد في أواخر الربيع بين القوات الموالية للحكومة وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي في جزيرة سُقطرى، استولى المجلس الانتقالي الجنوبي على بلدة حديبو الساحلية”.
كيف تؤثر الخصومات السياسية على القوات البحرية المحلية؟
ويقول المعهد: القوات المحلية ليست محايدة، لكونها مرتبطة بفصائل أكبر تتناحر مع بعضها البعض، وهذا ينطبق أيضاً على خفر السواحل والقوات البحرية. تنص اتفاقية ستوكهولم على أنه يتعين على الأطراف المتحاربة الانسحاب من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، تاركين إدارة المناطق لـ “قوات الأمن المحلية”. لكن القوات المسؤولة عن الحديدة، بما في ذلك خفر السواحل تعبر عن سلطة الأمر الواقع للحوثيين.
وأضاف المعهد: تعكس المخاوف بشأن سفينة تخزين النفط صافر FSO، الصدئة، الراسية قبالة ساحل الحديدة هذه التحديات. فالحوثيون لا يسمحون لمفتشي الأمم المتحدة بالوصول إلى السفينة، التي تحتوي على أكثر من مليون برميل من النفط الخام. فمع انعدام الصيانة، هنالك خطر تسرب نفطي كبير، ما قد يتسبب في دمار واسع النطاق في البحر الأحمر ولصيادي اليمن وسكانه.
في مارس/ آذار، قامت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن بمنع المساعدات الطبية، التي أرسلتها منظمة الصحة العالمية لمكافحة جائحة فيروس كورونا، ما حال دون وصولها إلى حكومة هادي. وبعد شهرين، رفض المجلس الانتقالي الجنوبي تسليم السيطرة البحرية في المناطق التي تم الاستيلاء عليها إلى خفر السواحل اليمني: في وقت سابق، فشل خفر السواحل اليمني في منع هجوم للقراصنة على ناقلة نفط ترفع العلم البريطاني بالقرب من ميناء المكلا، ما حدا بالحكومة والمملكة العربية السعودية بإلقاء اللوم على المجلس الانتقالي الجنوبي لقيامه بالحد من فاعلية خفر السواحل. في يونيو/حزيران، انسحب خفر السواحل وقوات حكومة هادي من جزيرة سقطرى، بعد أن استولى عليها المجلس الانتقالي الجنوبي.
البحرية اليمنية وخفر السواحل
تشير الباحثة في معهد الدراسات الإيطالي إلى أن دمج القوات البحرية اليمنية الجنوبية والشمالية تم في عام 1990. كان اليمن الجنوبي يتمتع بمهارات ومعدات أفضل من نظيره الشمالي، على الرغم من أن تقرير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الذي تم رفع السرية عنه عام 1987 ذكرَ أنه ليس لدى أيٍّ من البلدين أية قدرات بحرية ذات شأن. فقد انشق معظم أفراد القوات البحرية في اليمن الجنوبي بسبب الحرب الأهلية في الجنوب عام 1986، وبعد توحيد اليمن، أُجبر نصف أفراد البحرية الجنوبية على التقاعد الإجباري.
وقالت إن تاريخ خفر السواحل اليمني يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالسياسة الخارجية اليمنية والسياسات المدفوعة بحوافز أمنية بعد 11 سبتمبر/أيلول. في عام 2002، أنشأت حكومة الرئيس علي عبد الله صالح آنذاك خفر السواحل تحت إشراف وزارة الداخلية كجزء من قوات الشرطة، مع مستشارين عسكريين وتدريب وسفن من الولايات المتحدة؛ وجاء ذلك بعد هجمات القاعدة في عام 2000 على المدمرة يو إس إس كول وعلى ناقلة النفط الفرنسية ليمبورج في عام 2002.
بوجود مقره في صنعاء ومركز التدريب الرئيسي في عدن، تلقى خفر السواحل تدريبات دولية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وماليزيا واليابان. ووفقًا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، اعتباراً من عام 2013، كانت البحرية اليمنية تمتلك 22 سفينة دورية وسفينة قتالية ساحلية (وسفينة إنزال واحدة فقط)، وكان لدى خفر السواحل 12 سفينة، وعملت القوات البحرية على تطوير قدراتها في المياه الخضراء والبنية فقط. بلغ تعداد خفر السواحل 1200 عنصر نشط في حين كان لدى البحرية 1700 عنصر اعتباراً من عام 2013. ووفقًا لاستراتيجية خفر السواحل اليمنية 2010-2020، تم اختيار الكوادر من كل من الشرطة والبحرية، ما يكشف عن تقارب متزايد بين الطرفين، وإن كان غير رسمي. في عام 2012، عين هادي قائداً للبحرية من محافظة أبين، مسقط رأسه. وتم التركيز في مشتريات الدفاع والتحديث على خفر السواحل بدلاً من البحرية من حيث نشاطات التدريب مع الشركاء الدوليين والتدريبات البحرية المشتركة، مثل مهمة فرقة العمل المشتركة 150 لمكافحة القرصنة.
القوى البحرية: الإصلاح والأهداف الجديدة والتشرذم المتواصل
في عام 2016، بدأ التحالف بقيادة السعودية في إعادة بناء خفر السواحل في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة رسمياً، وتدريبهم وتجهيزهم –بما يقارب الـ 150 قارباً سريعاً- ومئات الأفراد المنتشرين في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب. قامت السعودية والإمارات بتدريب وحدات حراسة جديدة على ساحل حضرموت، وبقي الإماراتيون في جزيرة زقر (في أرخبيل حنيش) حتى أكتوبر/تشرين الأول 2019 لتدريب عناصر خفر السواحل. في عام 2018، دربت الولايات المتحدة خفر السواحل في سيشيل كجزء من برنامج متخصص مدته 4 أسابيع. بعد ذلك بعامين، قرر خفر السواحل الأمريكي أنه باستثناء محطة بلحاف للغاز الطبيعي المسال، لم تكن الموانئ اليمنية تقوم بإجراءات فعالة لمكافحة الإرهاب.
منذ النصف الأول من عام 2020، عمل خفر السواحل على تكثيف دورياته لوقف أنشطة التهريب التي يمارسها الحوثيون. وفي عمليات متفرقة بالبحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب وساحل المهرة الشرقي، استولى خفر السواحل على سفن تخفي أسلحة وذخائر ومخدرات متجهة للحوثيين تحملها قوارب صغيرة داخل المياه اليمنية. وحسب أقوال أحد ضباط خفر السواحل، فإن الصيادين المحليين يساندون جهود خفر السواحل اليمنية في مراقبة السفن المشتبه بها. في حضرموت، تم نشر العشرات من أفراد خفر السواحل عند نقاط دخول محددة لمنع التهريب.
اليمن سيكون طرفاً فاعلاً في الاستقرار البحري بعد انتهاء الصراع
إن للصراع المستمر في اليمن تأثيره على الاستقرار الإقليمي، كما كان للتشرذم على شواطئ الصومال أثر على البيئة في عرض البحر. فعلى سبيل المثال، تم تسجيل ثماني هجمات قرصنة واضحة في خليج عدن في النصف الأول من عام 2020، مقارنة بست حالات مشابهة في عام 2019. ونظراً لموقعه الاستراتيجي، يمكن لليمن في وقت السِلم أن يساهم في الأمن البحري. فاليمن جزء من فرقة العمل المشتركة 150 التي تتخذ من البحرين مقراً لها، وجمعية سواحل المحيط الهندي، ومجلس للدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، الذي تم انشائه حديثاً، المعروف باسم تحالف البحر الأحمر.
لكن طالما أن الأطراف المتحاربة لن توافق على إطار وطني لوقف شامل لإطلاق النار ومسار لما بعد الصراع، فإن اليمن سيبقى مقسماً، وعاجزاً عن اتخاذ موقف متماسك بشأن القضايا التي تؤثر على الاستقرار البحري. ويعزز لغز مدن اليمن الساحلية حالة البلبلة هذه. فعلى سبيل المثال، الإمارات العربية المتحدة ليست عضواً في تحالف البحر الأحمر الذي تقوده السعودية، لكن حلفاءها في المجلس الانتقالي الجنوبي لا يزالون يتولون المسؤولية في عدن، ويواصلون القتال ضد هادي وقوات الإصلاح، التي تضم عناصر من جماعة الإخوان المسلمين اليمنية، الذين تفيد التقارير بأنهم يتلقون الدعم من قطر وتركيا. كما أن النفوذ الجيوسياسي للبلدين آخذ في التزايد على الجانب الأفريقي من ساحل البحر الأحمر. وفي مثل هذا الإطار المضطرب، من المرجح أن تبقى عملية إعادة بناء القوات البحرية اليمنية خاضعة للسياسة وتعترضها الكثير من المعوقات.