يقف وزير الخارجية السعودية عادل الجبير معلنا أن انتهاء الحرب في اليمن بات وشيكا، لكن الميدان بعدها اشتعل من جديد، وفتحت جبهات في أكثر من منطقة، وكأنها للتو بدأت المعركة وليست الحلقة الأخيرة من فصول الحرب. يقف وزير الخارجية السعودية عادل الجبير معلنا أن انتهاء الحرب في اليمن بات وشيكا، لكن الميدان بعدها اشتعل من جديد، وفتحت جبهات في أكثر من منطقة، وكأنها للتو بدأت المعركة وليست الحلقة الأخيرة من فصول الحرب.
كان إعلان قرب انتهاء وقف الحرب كما لو كانت السعودية تقول: هذا كلام لإبداء حسن نية للتحضير لمشاورات سلام بين الحكومة اليمنية الشرعية وجماعة الحوثي وحزب صالح في جنيف2، ولكن الكلام، عملياً، يسير في خط متوازي مع العملية العسكرية على الأرض، ولا يمكن أن يَحدث حسن نية أمام مليشيات لا زالت توغل في التمدد والقتل.
السعودية تعرف صالح جيدا فهو كما يُقال “خبزها والعجين”، والحوثيين أيضاً، فهاذان الطرفان لا يمكن التعامل معهما إلا بلغة القوة، فالحوثيون لا يمكن أن يُسلموا أو يتركوا منطقة سقطت بالدم، إلاّ بالدم، ابتداء من صعدة وحتى سواحل عدن جنوباً…، هذا هو الواقع.
لكن ما هو أكثر من مشكلة حين تصبح الحرب في اليمن لها طابع دولي، بمعنى أنه لا يمكن تصور أن التحالف أو السعودية بالتحديد تقود حرباً ضد الحوثيين لأنهم جماعة متمردة فقط، بل تقول الدبلوماسية السعودية إن التحالف يتصدى لنزق إيران في اليمن وقطع يدها المتشحة بالفوضى الرامية لزعزعة المنطقة.
الحوثيون يقولون إن حربهم ضد الوهابية والخروج من الوصاية السعودية، لا، بل إنها حرب بين أبناء يزيد وأبناء الحسين، مع الانتشاء بما تظهره طهران من إعجاب لعملياتهم البطولية وصمودهم الأسطوري تجاه العدوان…!!!
إنه مثير للسخرية، فإن كان من حق دولة مجاورة أن تتعامل بلغة عسكرية حين تحس بالخطر من مليشيات خارجة من بلد مجاور، فإن من الغباء أن تحاول جماعة الحوثي أن تحارب دولة فيها أكثر من 2 مليون مواطن يمني يعول كل واحد منهم على الأقل أسرة في اليمن.
إيران من جهتها، لا تحمل اهتمام في اليمن إلا بقدر ما ستعطيها من نقاط جديدة أمام المفاوضات الدولية بخلاف سوريا، ولذلك تقول طهران في أكثر من مرة إن النظام السوري خط أحمر، ولم تقل هكذا في اليمن وهي تشاهد كل يوم قوات التحالف تدك معاقل الحوثيين في كل منطقة.
لكن إيران، بنفس الوقت تـقرن أي حل سياسي في اليمن في أي حل بسوريا، أي أنها تقول بعبارة أخرى للسعودية اتركوا لنا سوريا وسنترك لكم اليمن، والسعودية اهتمامها بعمقها الأمني باليمن أكثر من سوريا.
هذه هي التعقيدات التي تواجه أي حل سياسي في اليمن بكل تجلياته.
أما أمريكا، وهي الدولة العظمى تقول إنه لا حل في اليمن عسكرياً، بل الحل سياسياً. أمريكا وإن كانت تقول إننا ندعم قوات التحالف استخباراتياً في الضرب ضد قوات الحوثيين وصالح، إلا أنها لا تريد القضاء على الحوثيين إطلاقاً أو إضعافهم، باعتبارهم حليف استراتيجي في الحرب على الجماعات الجهادية، أو إشغال هذه الجماعات بحرب محلية مع الحوثيين ووقف فكرة الجهاد العالمي و”العدو البعيد” وفقا لتصوراتها.
السعودية هذه المرة خرجت عن تفكير أمريكا فيما يتعلق بالحرب في اليمن، فالسعودية حين يكون هدفها إعادة الشرعية والتصدي لمشروع إيران في اليمن، فإن أمريكا لا تنظر لليمن أو أي دولة في الكون إلا من خلال من سيكون معنا شريك في القضاء على “الإرهاب”.
هذا ما يدركه الحوثيون من هاجس المجتمع الدولي ومن أمريكا أيضاً، ولذلك يقدمون خطابا إعلاميا متدفقا بكل مصطلحات الحرب ضد الجماعات الجهادية، وهو ما يتطابق مع آخر تصريح للناطق الرسمي باسم الجماعة الشهر الماضي حين قال: “إننا انسحبنا من عدن حتى يعلم العرب والمجتمع الدولي أن البديل هم القاعدة”.
أين المقاومة الشعبية وتضحياتهم في جبهات القتال من هذا الكوم المهول من التشابك في قضية اليمن؟
لو طرح هذا السؤال مقاتل في إحدى الجبهات على نفسه لوجد أنه يخوض حرباً تائهة ليس لها مقدمة أو نهاية واضحة، إذ ليس هناك مبررا عمليا وواضحا لقتال المقاومة إلا حين يرى أنه يقاتل جماعة غزت المنازل بالمفخخات، وسعت للاستيلاء على السلطة أو ثأر مجتمعي، والبعض من يقاتل من منطلقات دينية باعتبار تلك الجماعة باغية ومخالفة في المعتقد.
ماذا عن السلام إذن…؟
سلام في ملف بات شبه معقد كاليمن ربما أصبح أكثر توجسا من الحرب القائمة، فالحرب تعطي كل يوم للمنتصر مزاجا رائقا، وبإمكان المنهزم استدعاء أي فرصة أخرى للسلام وفقا لما فرضته المعركة.
السعودية، وهي التي تتحكم في كل منافذ اليمن جوا وبحرا وبرا في المناطق المحررة، لا تنظر لأي حل في اليمن إلاّ من منطلق الانتصار وإذلال الحوثيين، إذ سيكون من المعيب أن تكون أكثر من دولة تقود عملية عسكرية ضد مليشيات وصلت إلى حل دون تحقيق انتصار عليها.
لا يفكر التحالف إلا بالانتصار ما دام وهو يخطط ويعتقد أن التخطيط يعقبه تحرير كما حدث في عدن وبقية المناطق الجنوبية وانتهاء بمأرب، وفي أي حل سياسي خارج هذا المنطق سيكون هاجساً قائماً.
ستذهب الحكومة عبر ممثليها إلى جنيف، إذا ما كتب له النجاح في خطوته الأولى وهي الذهاب، ولكن سيكون السلام لبعض القوى السياسية بمثابة الرعب لأن أي سلام سيكون على حساب بقائها في المشهد اليمني كما هو حال الرئيس هادي، و”علي صالح”.
هنا يصبح السلام مرعبا، وتبقى الحرب تائهة.