استقالة الحكومة اللبنانية وسط غضب متزايد جراء انفجار بيروت
يمن مونيتور/ (رويترز)
أعلن رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب استقالة حكومته يوم الاثنين، قائلا إن الانفجار القوي الذي هز بيروت وفجر مشاعر الغضب لدى المواطنين كان نتيجة للفساد المستشري.
وقتل ما لا يقل عن 163 شخصا وأصيب ما يربو على ستة آلاف في الحادث الذي قالت السلطات إنه نجم عن انفجار أكثر من ألفي طن من مادة نترات الأمونيوم في مستودع بمرفأ بيروت في الرابع من أغسطس آب، مما دمر أيضا مساحات من المدينة الساحلية وزاد من انهيار سياسي واقتصادي تشهده البلاد منذ شهور.
وقال دياب في كلمة أعلن فيها الاستقالة ”نحن اليوم نحتكم إلى الناس، إلى مطلبهم بمحاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة المختبئة منذ سبع سنوات، إلى رغبتهم بالتغيير الحقيقي“.
وأنحى دياب باللائمة في الكارثة على الفساد المستشري وقال إن المسؤولين عنها يجب أن ”يخجلوا من أنفسهم.. (لأن) حجم المأساة أكبر من أن يوصف“.
وقال ”قلت سابقا إن منظومة الفساد متجذرة في كل مفاصل الدولة، لكني اكتشفت أن منظومة الفساد أكبر من الدولة.. حملنا مطلب اللبنانيين بالتغيير.“
وأضاف ”لكن بيننا وبين التغيير جدار سميك جدا، وشائك جدا، تحميه طبقة تقاوم بكل الأساليب الوسخة، من أجل الاحتفاظ بمكاسبها ومواقعها وقدرتها على التحكّم بالدولة“.
ومضى يقول ”انفجر أحد نماذج الفساد في مرفأ بيروت، وحلت المصيبة على لبنان، لكن نماذج الفساد منتشرة في جغرافيا البلد السياسية والإدارية، والخطر كبير جدا من مصائب أخرى مختبئة في عقول وعنابر كثيرة بحماية الطبقة التي تتحكم بمصير البلد وتهدد حياة الناس وتزور الحقائق“.
وبينما سعى دياب من خلال الخطوة التي اتخذها إلى الاستجابة للغضب الشعبي إزاء الانفجار، فقد جرّت السياسة في لبنان إلى مزيد من الفوضى وقد تزيد الوضع سوءا بالنسبة للمحادثات المتوقفة بالفعل مع صندوق النقد الدولي بخصوص خطة إنقاذ مالي.
وعُلقت المحادثات، التي بدأت في مايو أيار، بسبب التقاعس عن تنفيذ الإصلاحات وبسبب خلاف بين الحكومة والبنوك والسياسيين بشأن حجم الخسائر المالية الجسيمة.
وقبل الرئيس ميشال عون الاستقالة وطلب من حكومة دياب الاستمرار بتصريف الأعمال ريثما تتشكل الحكومة الجديدة، حسبما ورد في إعلان نقله التلفزيون. وكانت الحكومة تشكلت في يناير كانون الثاني بدعم من جماعة حزب الله، المدعومة من إيران، وحلفائها.
ودعا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان في باريس إلى سرعة تشكيل حكومة جديدة. وقال في بيان ”من الضروري من الآن فصاعدا الاستماع لطموحات الشعب في الإصلاح والحكم“.
وفي البيت الأبيض، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الانفجار أطلق شرارة ما وصفها ”بالثورة“، دون أن يدلي بمزيد من التعليقات.
وقبيل إعلان دياب، تفجرت المظاهرات لليوم الثالث وسط بيروت وألقى بعض المحتجين الحجارة على قوات الأمن التي تحرس مدخلا يؤدي إلى مبنى البرلمان مما دفعها للرد بالغاز المسيل للدموع.
وبالنسبة لكثير من المواطنين اللبنانيين العاديين، كان الانفجار القشة التي قصمت ظهر البعير في أزمة طويلة الأمد ناجمة عن الانهيار الاقتصادي والفساد والهدر وسوء الإدارة، وقد خرجوا إلى الشوارع مطالبين بتغيير شامل.
وقال مهندس من بيروت اسمه جو حداد لرويترز إنه لا بد من تغيير النظام بأكمله، مؤكدا أن تولي حكومة جديدة السلطة لن يغير من الوضع شيئا. وأضاف أن البلاد بحاجة لانتخابات سريعة.
ويتطلب نظام الحكم أن يتشاور عون مع الكتل البرلمانية بشأن من ينبغي أن يكون رئيس الوزراء المقبل، وهو ملزم بتعيين المرشح الذي يحظى بأكبر قدر من الدعم بين أعضاء البرلمان.
وكان تشكيل حكومة في خضم انقسامات بين الفصائل أمرا شاقا في السابق. والآن ومع تنامي السخط الشعبي من النخبة الحاكمة بسبب الانفجار والأزمة المالية الطاحنة، فقد يكون من الصعب العثور على مرشح مستعد لأن يصبح رئيسا للوزراء.
وبعد استقالة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري في أكتوبر تشرين الأول 2019 وسط احتجاجات مناهضة للحكومة بسبب الفساد وسوء الإدارة، استغرق تشكيل حكومة دياب أكثر من شهرين.
وتعرضت حكومة دياب لضغوط شديدة حتى تستقيل. واستقال عدد من الوزراء بالفعل يومي الأحد والاثنين، وقالت مصادر وزارية وسياسية إن وزراء آخرين كانوا سيحذون حذوهم، وبينهم وزير المالية.
وكان دياب قد أعلن يوم السبت أنه سيطلب إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
* محاسبة
قال عون في وقت سابق إن مواد متفجرة كانت مخزنة بشكل غير آمن منذ سنوات في المرفأ. ثم قال إن التحقيق سيتحرى ما إذا كان السبب في الانفجار تدخلا خارجيا وإهمالا أم أنه مجرد حادث عرضي.
وقال مصدر وزاري والوكالة الوطنية للإعلام إن مجلس الوزراء قرر إحالة التحقيق في الانفجار إلى المجلس العدلي، وهو أعلى سلطة قانونية في البلاد ولا يمكن الطعن على أحكامه. ويتولى المجلس عادة أهم القضايا الأمنية.
في هذه الأثناء، يجاهد اللبنانيون لاستيعاب حجم الخسائر بعد الانفجار الذي دمر مناطق بأكملها.
ودمر الانفجار بيت إيلي حنا وورشة إصلاح السيارات التي يملكها.
وقال حنا إن الاقتصاد كان قبل الانفجار في وضع كارثي وإنه أصبح بلا مورد رزق الآن، مضيفا أن الرزق كان أسهل خلال الحرب الأهلية وأن الساسة والكارثة الاقتصادية ”خربوا كل شيء“.
وأعلن الجيش اللبناني يوم الاثنين انتشال خمس جثث أخرى من بين الحطام، مما يرفع حصيلة الوفيات إلى 163. وتستمر عمليات البحث والإنقاذ.
وكانت المظاهرات المناهضة للحكومة والتي خرجت في اليومين الماضيين هي أكبر احتجاجات من نوعها منذ أكتوبر تشرين الأول عندما خرج المتظاهرون احتجاجا على الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الفساد والهدر وسوء الإدارة وعدم محاسبة أصحاب المناصب العليا.
واختُتم مؤتمر طارئ للمانحين الدوليين يوم الأحد بتعهدات بتقديم مساعدات عاجلة قيمتها نحو 253 مليون يورو (298 مليون دولار).
غير أن الدول الأجنبية تطالب بالشفافية في توزيع المساعدات. ويتشكك بعض اللبنانيين في إمكانية التغيير في بلد يهيمن النظام الطائفي عليه منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها من عام 1975 إلى عام 1990.
وقالت أنطوانيت بعقليني الموظفة بشركة الكهرباء التي دمرت في الانفجار إن التغيير لن يفلح في وجود القيادات ذاتها، مضيفة ”هذه مافيا“.