عبدالكريم الإرياني.. فقيه السياسة اليمنية (بورتريه)
الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 ليس عادياً بالنسبة لليمن، ففي هذا اليوم ودع الحياة سياسيٌ يمنيٌ من الوزن الثقيل، هو الدكتور عبد الكريم الإرياني، في مرحلة عصيبة للغاية وفي منعطف خطير.
يمن مونيتور/ من ياسين التميمي
الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 ليس عادياً بالنسبة لليمن، ففي هذا اليوم ودع الحياة سياسيٌ يمنيٌ من الوزن الثقيل، هو الدكتور عبد الكريم الإرياني، في مرحلة عصيبة للغاية وفي منعطف خطير.
برحيل الدكتور الإرياني تكون البلاد خسرت أحد الأعمدة الأساسية التي كان النظام الانتقالي ينهض عليها، ويستمد مصداقيته من وجوده وانحيازه لفريق الدولة والشرعية.
أبصر الدكتور الإرياني النور في ١٣ أكتوبر ١٩٣٤م في حصن إريان في محافظة إب، وهي منطقة وسط بين اليمن الشافعية والزيدية، وينتمي إلى عائلة اشتغلت بالقضاء وامتهنت السياسة وأنجبت رئيساً حكيماً قاد اليمن في فترة حرجة، هو القاضي والمناضل الكبير وأحد آباء الجمهورية اليمنية، عبد الرحمن الإرياني رحمه الله، وهو شقيق والد الدكتور عبد الكريم الإرياني.
تلقى “الإرياني” تعليمه الأولي في الكتاب وعلى كبار العلماء من بيت الإرياني وحفظ القران، ودرس الثانوية العامة، في مصر عام 1958، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة حيث حصل على شهادة البكالوريوس في مجال الزراعة من جامعة تكساس، والماجستير من جامعة جورجيا والدكتوراه من جامعة بكونيتيكت عام 1968، ليكون أحد أوائل اليمنيين الذين حصلوا على شهادة الدكتوراه، وأول من حمل هذه الشهادة من جامعة أمريكية.
استحق الراحل لقب السياسي المخضرم كونه عاش حقباً سياسية مختلفة كان في معظمها مؤثراً وحاضراً في قلب المشهد السياسي، وزيراً ورئيساً للوزراء، وقائداً حزبياً ومستشاراً ومفكراً سياسياً مؤثراً في الوسط الفكري والسياسي.
بدأ حياته العملية مهنياً في مجال الهندسة الزراعية، واعتبر حينها أول تكنوقراط يتميز بمعرفة أكاديمية في تخصصه ولهذا عمل بمشاريع تطوير زراعية مهمة في بداية العهد الجمهوري في تهامة وغيرها، قبل أن يتم تعيينه في سبعينيات القرن الماضي رئيساً لهيئة التخطيط المركزية، ثم وزيراً للتنمية ورئيساً لهيئة التخطيط، ثم وزيراً للتربية والتعليم ورئيسا لجامعة صنعاء.
انتقل الراحل للعمل في فضاء عربي أوسع من خلال التحاقه بالصندوق الكويتي للتنمية، الذي عمل فيه عدة سنوات، عاد بعدها ليرأس الحكومة عام ١٩٨٠ حتى ١٩٨٣ و ليشغل بعدها منصب رئيس المجلس الأعلى لإعادة إعمار المناطق التي دمرها زلزال عام ١٩٨٢ ثم نائبا لرئيس الوزراء وزيراً للخارجية، ونائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للتخطيط.
وفي السنوات الأخيرة من حياته المهنية انصرف أكثر للعمل الحزبي، عبر دوره البارز في تأسيس وقيادة حزب “المؤتمر الشعبي العام” الذي شغل فيه منصب الأمين العام، والنائب الأول لرئيس المؤتمر، وأظهر خلال عمله في المؤتمر جانباً من مهاراته السياسية ومكره السياسي أيضاً.
تحمل الدكتور الإرياني وزر إصلاحات اعتمدتها حكومته في أوائل الثمانينات وقضت بتشجيع الزراعة الوطنية، من خلال منع استيراد الخضروات والفواكه من الخارج، كان قراراً حكيماً وشجاعاً لكن الرئيس السابق “صالح” عمل على إفساد مخرجات هذا القرار، بل ووجه نقمة المتضررين من هذا القرار نحو “الإرياني” شخصياً، مع أن قرار كهذا كان قد أفاد في خدمة المالية العامة، وتخفيف العبئ عليها نتيجة الاستيراد.
تميز “الإرياني” بأسلوب فريد في التفكير تأثر كثيراً بروافد المعرفة التي صبت في مجرى العقل والتفكير لدى الرجل، فقد نشأ نشأة أصولية في بيت علم وفقه سني في الأساس، لكن “بيت الإرياني” أيضاً كان متصلاً بالحقل الفقهي الزيدي، إلى حد أن جد الدكتور عبد الكريم الإرياني تولى منصب قضائي رفيع في المملكة المتوكلية.
كان حفظه للقرآن ولمئات القصائد من عيون الشعر العربي القديم والحديث، أثره في إنضاج ثقافته، في حين ساهم إتقانه للغة الإنجليزية واتصاله بالمحتوى الثقافي العالمي لهذه اللغة جعل ثقافته موسوعية متسقة وناضجة، ومعها تشكلت شخصيته المنفتحة، التي جعلت منه شخصية ليبرالية، تمارس السياسة بمهارة في بيئة سياسية محافظة.
كان الراحل الإرياني يبدو قريباً من الرئيس “صالح”، وساهم في بناء المجد الشخصي والسياسي للأخير، ومع ذلك كانت توجد مسافة نفسية كبيرة بينه وبين “صالح”، فقد كان الإرياني يعي كما يعي بعض من زملائه المخضرمين في السياسة أن الأقدار قد وضعتهم تحت عباءة سياسي غير نزيه، كان أكثر ما يحرص على تحجيم السياسيين الكبار من حوله حتى لا يظهر إلا هو، منفردا.
وفي سياق توظيفه التناقضات، وفي ضرب تماسك المحيطين به، كان “صالح” يحرص دائماً على تعريف الراحلين، الدكتور الإرياني، والأستاذ عبد العزيز عبد الغني بأنهما علمانيان، خصوصاً عندما يريد أن يتحرر من ضغوطهما التي كانت غالباً ما تتجه نحو إحداث إصلاحات سياسية، وذلك ليضمن تأييدا لسياسته وتبريراً وتأييداً لنكوصه عن التزمات قطعية بشأن الإصلاحات السياسية التي كان يتعين إنجازها خصوصاً بعد عام 1994.
رحل الدكتور الإرياني بعد أن أظهر موقفاً وطنياً مشرفاً بانحيازه للمشروع الوطني وفضحه لمخطط تدمير الدولة وتقويض مشروعها، الذي تورط فيه “صالح” وحليفه اللدود الحوثي، وكشف بهذا الموقف عن الشخصية الحقيقية لصالح باعتباره أشد السياسيين اليمنيين خطراً على الوطن وعلى وحدة الشعب اليمني وأمنه واستقراره.