بين الوهم والحقيقة
(الانسان يبحث دائما عن الاوهام، لأنه أجبن من ان يواجه الحقائق) فولتير.
(إن الحقيقة الصادقة دائما ما تكون غير قابلة للتصديق، فيضاف إليها شيئا من الكذب لتكون مقبولة) دوستويفسكي.
وأحيانا لا يرغب الناس سماع الحقيقة، لا يريدون رؤية أوهامهم تتحطم.
ونحن اليمنيون أكثر تعلقا بالأوهام، واقل صدقا مع الذات وبعضنا البعض، وبالتالي أكثر قابلية للتوظيف في صراعات سلبية، نتائجها وخيمة على حاضرنا ومستقبلنا وبالتالي وطننا المغدور منا لا من غيرنا.
ما يثار اليوم من جدل حول خذلان التحالف الخليجي لليمن، هو نتاج طبيعي لوهم عشناه واليوم يتبدد وتظهر الحقيقة جلية.
حقيقة ان صنعاء لا يراد لها أن تتحرر، وعدن لا يراد لها ان تستقل.
الحقيقة التي صدمت كثيرا من الواهمين، ولازال عددا من الهائمين بهذا الوهم، حقيقة أدركها العقل الفطن مبكرا، ولم يصدقوه، أثار عددا من الأسئلة المنطقية حولها، واتهموه وخونوا وكفروه، الوهم طغى على قطيع لا يسأل، ولا يجيب على الاسئلة، يستمتع في الوهم حتى يخذل، ويبحث عن وهما آخر يهدئ من الخذلان، وهم التوظيف للذات، واستغلال الفرص، ليتميز رفعة وثراء وجاه، متجردا من كل القيم والمبادئ والأخلاقيات، ليكن جزء من أدوات الصراع والصلف العقلي الذي لا يعترف بالحقائق ولا يتقبل واقعها، والنهاية مخزية.
الحقيقة التي لا غبار عليها، ان اليمن بلد يشق طريقه لترسيخ نظامه الجمهوري التحرري، ويتطهر من الشوائب التي علقت بهذا النظام وحاولت اعادته لحضرة الانظمة الاسرية المستبدة، يتطهر من نفوذ ومصالح القوى التقليدية التي تعيق مسار التحرر، يتطهر من تدخل القوى الرجعية للجوار في القرار والاختيار. والوهم يراهن على تلك القوى الرجعية وادواتها التقليدية.
والحقيقة الأكثر وضوحا، ان النظام السياسي اليمني ينص على التعددية والحرية والمساواة والديمقراطية كوسيلة للوصول للسلطة وتوزيع الثروة.
والوهم يطلب الدعم لترسيخ ذلك من انظمة لا تؤمن بتلك القيم بل تحاربها بكل ما أوتيت من مال وقوة وجاه وسلطة وقدرة على مستوى العالم، تتصدى لكل ثورة تحررية، وديمقراطية ناشئة في المنطقة، وتدعم انظمة استبدادية دكتاتورية لتقدم لها الولاء والطاعة، وتعمل تحت إمرتها تنفيذا لأجنداتها الجهنمية في محاربة الحرية والتحرر والاستقلال الذاتي وحق تقرير المصير.
الحقيقة الساطعة اننا في اليمن ثرنا كأمة رافضين الاستمرار في سياسة الصراعات السلبية المدمرة، أيديولوجية طائفية مناطقية، واتخذنا من التعايش هدف سامي، بنينا عليه مخرجات حوار وطني، تؤسس لهذا التعايش، ومسودة دستور تضبط إيقاع هذا التعايش والعلاقات بين المختلفين، لنعيش متحابين متوافقين متعايشين، نبني وطن المحبة والسلام والاحترام، وننهض كسائر الأمم.
والوهم أننا لم نستوعب مستوى قلق الجوار من كل ذلك، ولم ندرك حجم المؤامرات التي أحيكت لتنتج واقع اليوم المأزم، وتجعلنا تحت رحمة وشفقة هذا القلق.
الحقيقة المؤلمة، أننا بلد غني برجاله وارض حبلى بالثروة، أرض خصبة زراعية، وساحل من أطول سواحل المنطقة بثرواته التي تغنينا عن الدعم او التسول وترفع من شأننا وتحفظ كرامتنا، بلد متنوع المناخ، سلة غذائية على مدار العام، بلد غني، شعبه يتسول المعونات والدعم، ويستغل أسوأ استغلال.
والوهم جعل منا ادوات توظيف لتبديد هذه الثروة، وتعطيل استثمارها الإيجابي، وأنهاك وطن بالصراعات السلبية، توظيف الأسوأ منا، توظيف المصالح والنفاق والشقاق، لجعل الشعب متسول يعاني المجاعة والوباء والمهانة، وتعطيل حق القرار والاختيار.
الوهم اننا نبحث عن بصيص نور من الظلمة، وإن نتنفس حرية في سجن، وان نستقيل بالذهاب للعبودية، ونستجدي هامش ديمقراطي من ديكتاتور بغيض، ونظام جمهوري من رحم الملكية الأسرية، وتقدم من تخلف، وعلم من جهل.
بينما الحقيقة أن نهضتنا في وحدتنا، في توافقنا وتفاهمنا، في احترامنا لأنفسنا ولبعضنا بعض، في تحررنا من ماضينا، في تجاوز مآسينا، في تحطيم القيود والعثرات، في ان نكون أصحاب قرار واختيار، ونخلص من الشوائب العالقة في جسد النظام السياسي، شوائب تستثمر وتوظف بقوة لتنهك قدراتنا وتحطم معنوياتنا، تعيق حقنا بالحياة، تبدد ملكاتنا وامكانياتنا، وتهد ثروتنا ومقدراتنا، وتحط من كرامتنا بين الأمم.
الحقيقة اننا قادرون أن ننهض ونتجاوز كل المحن، إذا استوعبنا حجم الأوهام المسيطرة على الذات والجماعات، لحكم الآخر بالعنف، وإلغاء الآخر وتهميشه واجتثاثه، وهم الحق الإلهي والحق العرقي والطائفي والمناطقي في سلطة ما تخضع الآخرين لفرض واقع بالقوى الغاشمة، ولنا في تاريخنا تجارب وعبر عن الممكن والمستحيل فهل نتعظ يا اولي الالباب.