عند الشاطئ الأيمن لمدينة عدن قبل خمسة وثلاثون عاما كانت فاطمة ذات السبعين خريفا تتمشى مع زوجها عبد الرحيم، وتتحسس بطنها المثقلة بحملها البكر وهي تبتسم مع نسمات البحر الدافئة وتتفاوض مع زوجها بمنتهى الفرح عن تسمية مولودهم الأول، بعدها بأيام كان طفلا اسمه فؤاد يملأ البيت صراخا، وكانت فاطمة تحتفل به مع نسوة عدنيات، فيما كان التعزي عبد الرحيم مع اهله القادمون من خلف البراميل من الدولة الشقيقة، يتناولون طعام الوليمة مع سكان عدن الطيبون، تلك المدينة التي لا تشعر فيها بغربة على الاطلاق! عند الشاطئ الأيمن لمدينة عدن قبل خمسة وثلاثون عاما كانت فاطمة ذات السبعين خريفا تتمشى مع زوجها عبد الرحيم، وتتحسس بطنها المثقلة بحملها البكر وهي تبتسم مع نسمات البحر الدافئة وتتفاوض مع زوجها بمنتهى الفرح عن تسمية مولودهم الأول، بعدها بأيام كان طفلا اسمه فؤاد يملأ البيت صراخا، وكانت فاطمة تحتفل به مع نسوة عدنيات، فيما كان التعزي عبد الرحيم مع اهله القادمون من خلف البراميل من الدولة الشقيقة، يتناولون طعام الوليمة مع سكان عدن الطيبون، تلك المدينة التي لا تشعر فيها بغربة على الاطلاق!
قال المؤرخون أن عدن هي جنة الدنيا، قولهم قريب للحقيقة ان لم يكن قلب الحقيقة وسمعها وروحها وبصرها والبصيرة، كنت ذات يوم استقل تاكسي من جولة الجمهورية باتجاه الشيخ، وفي تلك المسافة كان سائق التاكسي،- والذي يعمل مساعد طيار لجأ إلى شغل خاص إضافي في ظل فساد عريض لنظام المخلوع- كان يسرد شيء من رحابة صدر المدينة الأم، كيف احتضنت الجميع، من ذوي الاصول الهندية والافريقية والآسيوية وتفاصيل الدنيا، لقد كان يستنشق الهواء وعينه على البحر ونحن نعبر الجسر ولم يجد سوى البحر شبيها لعدن، في البحر لا هوية للأسماك ولا جنسية ولا انتماء غير أنها أسماك سكنت عمق بحر عدن، كذلك كانت المدينة الدافئة،لا غريب فيها سوى الشيطان، يكفي أن تكون إنسانا لتتسعك شواطئ عدن!
يكبر فؤاد ويستقبل مولوده الرابع في قسم للشرطة، بعد أن حضر “كفيل” يضمن له العيش في حافته التي ولد فيها، ويلتزم ألا يكون “خلايا نائمة”؛ حبس فؤاد الدمعة وزفر بقوة كما يفعل الموج الهائج، حين تتنكر له الدنيا وهو لا يعرف غيرها، في عدن مسقط رأس فؤاد وفي لحظة عبث يأتي رجل قيل أن “دحباشي” الأصل والفصل لكنه مكلف بملاحقة ذوي الاصول “الشمالية” حتى لو كانوا من مواليد الجنوب الذي آواهم حين ضاقت عليهم الدولة الجارة!
بعيدا عن حقيقة الفريق المكلف بملاحقة “الدحابشة” وهو ليس فريقا شعبيا، بل جهة استخباراتية تمتلك معلومات بالغة الدقة، وتدير عملها باحتراف ومهارة عالية؛ وستبث مقاطع صوتية لفتاتين تسخر واحدة من الأخرى، والرسالة التي تريد توسيع الفجوة بين صنعاء وعدن بفبركة امرأتان موظفتان في مكتب واحد!
فهل هذه مقدمات استقلال دولة الجنوب؟! أم أنها الموجة الثانية للإنقلاب الذي يهدف إلى فتح مصاريع الفوضى في عدن وقلب الوطن الجنوبي لا تختلف عن فوضى مرتبطة بخيوط اللاعب الرئيس في صنعاء؟! هو سؤال جاد: كيف يتم الاستقلال؟ وما هي خطواته، وما دور الشعب و “الجماهير العريضة”؟!
في العرف السياسي وحسب القوانين الدولية فإن الوحدة أو الانفصال خيارات جماهيرية نابعة من عمق المصلحة الشعبية؛ عبر عودة السلطات السياسية الى الشعب واستفتاء رأيهم حول هكذا قضية مصيرية، وبعد “تقرير المصير” فإنما ذلك خطوة سياسية تنشأ على اثرها دولة تشرع دستور يقنن تعاملاتها ومبادئ الحكم وينظم علاقة السلطة بالمواطن وحقوق المواطن وكيفية التعامل مع الاجنبي او “المغترب”، أي ان قرار دولة “الجنوب العربي” ستتخذه جماهير الشعب وليس ثلة من الانتهازيين! هل الهدف تكوين دولة “الجنوب العربي”؟ لا يزال هذا هو السؤال، فهل تتجه النخبة الجنوبية إلى توحيد صفوفها وترتيب ملفاتها وحل خلافاتها وعقد ندوات ومشاورات جادة ومتينة وعلمية حول ما بعد الانفصال؟
هل عقدت النخب الجنوبية مؤتمرا اقتصاديا لعرض خططها ومشاريعها التنموية التي ستحول عدن إلى أول ميناء بحري في العالم خلال خمس سنوات من الاستقلال؟!
هل تحمل الفصائل الجنوبية ملفات اقتصادية لاستغلال واسثمار وتسويق الثروة البحرية والاسماك؟!
وخططها العملاقة لبناء المصانع والموانئ والتحضير والتهيئة للتحول الاقتصادي العملاق خلال خمس سنوات لتكون الدولة العشرين عالميا لما تمتلكه من موقع استراتيجي جغرافيا وتاريخيا وثروات؟ من هو الفصيل الجنوبي الذي يفعل ذلك؟!
لو كان فعل ذلك لقال لأهل عدن من البسطاء أن فؤاد مواطن من مواليد عدن تلك المنطقة الرحبة التي لا حضور فيها سوى للتنمية، ولن يضايق القانون غير المدان بارتكاب خطيئة في حق المدينة وأهلها، هؤلاء من سيتعرضون لمساءلة قانونية، وقانونية فقط!
في اعراف الدول، فإن المصلحة هي الحاضر الوحيد؛ مصلحة الشعب والحكومة والدولة في الأساس، لكن السؤال الثاني: لماذا يلاحق “الدحابشة” وحدهم؟!
سيقول لك متحمس: نحن نريد دولتنا وهؤلاء محتلين؟ بعيدا عن البحث عن دور هذا في الدفاع عن عدن اثناء الحرب القذرة التي شنتها قوى الانقلاب على عدن ، وراح ضحيتها الآلاف؛ وبعيدا عن الخيانات التي التقطتها الاحداث عن قائمة شركاء الحوثي والمخلوع الذين حملتهم طائرة واحدة إلى جنيف؛ وبعيدا عن التدريب والرعاية والزيارات المعلنة والسرية للقيادات المعروفة إلى ايران، فإن العقل والمنطق يقول: هل ستطرد عدن كل مواطن اجنبي هندي وصومالي وخليجي وغربي كما فعلت مع الخباز الشمالي في مخبز المنصورة؟!
هذا ضرب من الجنون، فلماذا التحريض على الشمالي فحسب؟ وهل بعد الانفصال تسعى دولة الجنوب إلى الاستقرار والتنمية وبناء الجوار وتمتين علاقاتها مع بقية الدول ومن بينها الشقيقة “اليمن” أم أنها مقدمات شحن نفسي وتراكم مظلوميات استعدادا لخوض حروب قادمة بغطاء مختلف تحتى مسميات دولية؟!
نحن هنا نضع أسئلة جوهرية يجب أن تدرك النخب الجنوبية حساسية الخطوات التي تفعلها؛ وأنها تتلاعب بأخطر ملف، وتشترك في مخطط فوضوي لتحويل عدن والجنوب إلى خراب كما فعل ويفعل الحوثيون والمخلوع؛ فكل ما يتم الان هو محاولات شيطانية عبثية لصنع هويات صغيرة جغرافيا عبر التحريض على الانفصال؛ لا اتباع خطوات مدروسة للاستقلال وبناء دولة الجنوب!
وهي المهمة التي يقوم بها المخلوع والحوثي في الشمال، بصناعات “هويات” مناطقية عبر اذكاء مصطلحات نتنة من قبيل براغلة وهضبة ومطلع ومنزل!!، واخرى مذهبية عبر الترويج الوهمي للزيود والشوافع، وهويات طائفية باحياء مناسبات لم تعرفها صنعاء منذ ما قبل مقتل الحسين، وكلها أي (مهمة صنع الهويات الجغرافية والمناطقية والمذهبية والطائفية)
الدور الحقيقي والوحيد للإنقلاب برعاية إيرانية ومن وراء إيران بريطانيا! فهل ما يجري الجنوب مقدمة لبناء دولة حسب الأعراف السياسية والقوانين الدولية؟ أم أنه أداء دور سياسي كموجة ثانية لنجاح الانقلاب؟! مجرد أسئلة ..