صور صادمة على مرأى الجميع.. مرضى وموتى تنتهك خصوصياتهم في اليمن (تقرير خاص)
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من محمد مقبل الكمالي
في عالمٍ رقمي متطور، تكتسب الصورة أهميتها لدى مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، لنشر الأحداث والأوضاع، وأصبحت تلك الصور مصدراً مهماً لوسائل الإعلام.
في اليمن التي تعاني من حرب مستمرة، اكتسبت الصورة تلك الأهمية الكبيرة لمعرفة الأحداث ومعاناة السكان، لكن انتشار تلك الصور بكثرة أدى إلى شيوع عدم الالتزام بالقوانين الأخلاقية الإنسانية، والصحفية لكيفيات الالتقاط والنشر يمثل خطرا ينتهك كرامة وخصوصية الأفراد، أحياءً وأمواتا.
ودخلت اليمن في حالة حرب منذ عام 2014، عندما سيطر الحوثيون على صنعاء ومعظم محافظات البلاد ما أجبر الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، المعترف بها دوليا، على الفرار من العاصمة صنعاء. وفي مارس/أذار2015 تشكل التحالف بقيادة السعودية لدعم الحكومة الشرعية ومنذ ذلك الوقت ينفذ غارات جوية ضد الحوثيين في أكثر من جبهة.
وقتل عشرات الآلاف نتيجة الحرب. وتشير دراسة تم عملها لصالح الأمم المتحدة إن من المحتمل سقوط أكثر من 230 ألفاً من اليمنيين حتى نهاية 2019 نتيجة الاشتباكات والأمراض والأوبئة.
* واقع افتراضي مخيف
ويبرز دور مواقع التواصل الافتراضية من على الإنترنت كعامل مساعد لتضخيم الخوف، وتقديم مواد أكثر حماسا وتشويق ما يفسر رواجها الكبير.
وبحسب عمرو عون (30) عاما، وهو مصمم صور، يقول: “إن أشخاص كثيرون بطريقة عفوية ربما يعملون على نقل صورهم السلبية من الواقع الحقيقي إلى الافتراضي.
ويكمل عون، واصفا كيف اوصلت حالة الحرب الجارية رغبات عملائه نحو تفضيل اللون الأحمر لمعظم الأعمال.
باشا عبدالقادر، يمني مقيم في ألمانيا تحدث ل”يمن مونيتور” أيضا، حول الخسارة المجتمعية والإنسانية عند نشر صور الحرب الصادمة ومدى خطورة اعتياد الناس على هكذا مشاهد.
ويقول باشا:” اضطررت العزوف عن مواقع التواصل الاجتماعي وشاشات الأخبار مبكرا أثناء اندلاع الحرب في اليمن لكمية الوجع والصدمات التي تلقيتها.
* شرف مهني
يشتد التنافس الخبري العاجل بين الصحفيين أثناء الحروب، ما يجعلهم يتسابقون في نشر صور القتلى والجرحى مع ظهور مصطلح الإعلام الميداني أو ما يسمى بـ بالحربي ” لتتضاعف مظلومية الضحية حينها عبر صور تتداول تؤلم أهله والمجتمع من بعده.
يقول نبيل الأسيدي، عضو مجلس نقابة الصحفيين اليمنيين: “إن نشر الصور الصادمة للقتلى أو الموتى أو الحوادث بمختلفها في الصحف والمواقع يعد انتهاكا للمهنة وأخلاقياتها المتعارفة والتي تعتبر جزء لا يتجزأ من القوانين المهنية للصحافة.
وأضاف الأسيدي لـ”يمن مونيتور”: “الأمر مرتبط اليوم بالقيم الأخلاقية للصحفيين والجهات التي يعملون لديها، حيث يمكن إيصال الرسالة الإعلامية كاملة دون الحاجة لوجود المشاهد البشعة التي لا يراعي نشرها مشاعر أسر الضحايا ومحبيهم”.
ويشير الأسيدي إلى أن “تجاوزات كثيرة حدث أثناء الحرب حتى في تلك الحالات التي لا تتعلق بضحايا النزاع العسكري الجاري”.
المصور الصحفي، نائف الوافي يتحدث حول ذلك بالقول: ” بداياتي في العمل الإعلامي لم تكن بالصورة المطلوبة التي تفرضها أخلاقيات المهنة، لكن عملي في الميدان هو من فرض على ضميري ذلك بالإضافة لملاحظات الجهة التي اعمل لديها .
ويضيف الوافي: أن هناك زوايا عديدة يستطيع المصورون تناولها وإيصال رسائلهم الصحفية بعيدا عن جوانب الدماء وحرمتها. مؤكدا إنه لم يتلقى إلى الآن إشعارات بشأن انتهاك قوانين النشر على مواقع التواصل.
* خصوصيات مصانة
على قيد الحياة يعترض البعض لدى مصوريهم على وضعيات غير لائقة كانوا عليها، لكنهم في حالة الموت يفقدون حق هذا الرأي ويصبح قرار تشويههم بأيدي آخرين.
يقول عبدالسلام العزاني، إمام وخطيب مسجد في حديثه لـ”يمن مونيتور” إن نشر الصور إلى العامة من الناس دون أخذ الاذن من الشخص الحي نفسه يعد سلبا للحق، وحقوق الناس لا تهاون فيها.
ويقول: بإن الأمر ذاته ينطبق مع من تنشر صورهم من الأموات سواء في السلم أو الحرب إذ لا إذن مسبق يسمح بالنشر بتلك الطريقة.
ويواصل عبدالسلام العزاني قوله: بإن بشاعة تلك المشاهد التي تنشر على الإنترنت وهي كثيرة في أغلبية الوطن العربي له كلفة نفسية باهظة .
* نفسيات مدمرة
في بيئة لا تحكمها ربما ضوابط ملزمة أو أخلاقية قد تتواصل المآسي القاهرة حتى بعد تشييع الضحية. إذ يظل الأمر كقبر مفتوح من خلال صور صادمة على مواقع النشر يتم تداولها لعشرات السنين دون أن تموت.
الطبيب النفسي، عادل ملهي قال لـ”يمن مونيتور”: ” إن ذلك له وقع ثنائي مرير حيث يصبح البعض في حالة خوف ووسواس قهري من القادم الذي سيتلقونه، بينما يدخل البعض الآخر في عزلة عن وعدم تقبل أي شيء.
أخصائي الطب النفسي، الذي يملك عيادةً في مدينة تعز واصل حديثه موضحا:” بأن الجهاز العصبي يتأثر جراء المشاهدات المتكررة لحوادث دموية غير مألوفة من قبل حيث يؤدي ذلك غالبا إلى الصرع وهو ما أقابله كثيرا خلال فترة الحرب.
ووجه الدكتور ملهي، نقده لوسائل الإعلام حيث قال:” بأنها أغلبيتها لا تنتهج المسار المهني القائم على تحذير المشاهد بوجود مواد صادمة. كما وصف من يقومون بالنشر المفرط لتلك الحوادث البشعة على مواقع التواصل بالحالات” الشاذة”.
وكانت في الأسابيع الماضية قد انتشرت على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك حملة شبابية تدعو لنشر الإيجابية من خلال الصور الأكثر جمالا وتفاؤل.
وفشلت الأمم المتحدة، في جمع أطراف الصراع (الحوثيون والحكومة الشرعية المعترف بها دولياً) في مشاورات جديدة لإنهاء الحرب منذ ديسمبر/كانون الأول2018 التي خرجت باتفاق السويد، الذي فشل -حتى الآن- في تطبيقه، ويحتوي على اتفاق خاص بالحديدة؛ واتفاق لتبادل الأسرى والمعتقلين، وتفاهمات بشأن تعز.