مأساة بعثرت العناوين السياسية
نحن اليوم في وجع والم مخاض عسير لحالة الثورة، مخاض المرحلة الانتقالية والتحول السياسي، في مواجهة ثورة مضادة، ترفض هذه التحولات، وبدعم اقليمي تستثمر التناقضات والاختلاف، لتستدعي الماضي وصراعاته وماسية، لتفجرها في وجه الحاضر لتعيق مسار التحول.
وفي مجتمع تسوده العصبية، ويسوده الجهل، من السهل ان تجد الثورة المضادة، ادوات لها، حيث تفوق ترمومتر العاطفة والحماس، عن مستوى الوعي الثوري لتحديات المرحلة واولوياتها.
شعور الناس البسطاء والنخب المتطلعة لتحول سياسي وتغيير أفضل للواقع، بالإحباط والتذمر والخذلان، هي مأساة امة بتأخر العمليات السياسية للتحول، تحت عناوين سياسية اخرى، حرفت وعي الجماهير لزاوية تعيق عملية التحول، وتفشل المكتسبات التي حققتها الثورة، وتجر النخب السياسية والاجتماعية بوعي او دون وعي لخدمة الثورة المضادة.
يتسأل الكثير عن سبب هذا الفشل، او اعتباره انهزاما، انهزام نخب رهان الثورة والتحول السياسي والتغيير، لترك المجال للمنافقين ونخب دكتاتورية الفكر والوعي، اصولية التوجه، وعصبية الايدلوجيا، والمصالح الذاتية والفئوية، لتتحكم بالعناوين السياسية للمرحلة، وتبعثر جهود الثورة والثوار، لتفرض واقع الخصومة الفاجرة، لتجعل من الاختلاف مشكلة ينتج مزيدا من المشكلات ، ويؤجج صراعات الماضي البائس، بل يستدعيه بكل قذاراته، ويعيد للذاكرة الجمعية كل البلاوي والامراض، ليجر العامة خلف شعارات حق وهو يريد بها باطل، وها نحن نرى الباطل واقعا.
هناك فرق بين ساحات الثورة حينها، وارتفاع مستوى الوعي فيها شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، والحب والتسامح والالتحام لهدف التغيير، المرسوم بمخرجات حوار ومسودة دستور يتفق عليها الجميع كبرنامج لعمليات التحول، حيث يجرم الاقصاء والتهميش، وتوسيع مساحة الشراكة، لإغلاق منافذ تسلل المشاريع الصغيرة، طائفية ومناطقية، وضبط الأيدلوجيا والحزبية بقانون ونظام الدولة الجامعة والاتحادية الضامنة للمواطنة والحريات والعدالة، وبين واقعنا اليوم وحرب الشعارات، والاعمال التي تعيد للذاكرة مقولات ان الثورة يفجرها المظلومين.. ويدعمها الحكماء.. ويشعلها الابطال.. ووقودها الفقراء.. ويحصد ثمارها الجبناء والمنافقين.
فهل اصيبت ثورتنا بلعنة فقدان الوعي، وتجريدها من عدالتها، وتصدر شئونها المنافقون واصحاب المصالح، لينطبق عليها مقولة الجنرال جياب بطل الثورة الفيتنامية (ان الثورة التي لا يقودها الوعي تتحول الى ارهاب. والثورة التي يغدق عليها المال تتحول الى ثورة لصوص ومجرمين. وعندما تصبح الوطنية مصدر دخل يكثر المنافقون وطنية).
وللأسف مجرد ما ان وجد المال تعفنت النفوس، وتغيرت الأهداف، وصور البندقية مدفوعة الثمن، توجه للصدور العارية، لخدمة الثورة المضادة، فوقعنا بالفخ، وتولى امرنا (مع الاحترام للبعض الثابتين في موقف الحق) بعضا من اللصوص والمجرمين، ويمارسون بكل بجاحه مكنوناتهم الاجرامية واطماعهم اللصوصية، وعندما تنتقدهم، يقولون بصلف نحن قدمنا شهداء، حقيقة موجعة.
والشهداء هم أنبل ما فينا، وأشرف ما فينا، وأطهر ما فينا، واستشهدوا من اجل وطن الحرية والعدالة والسيادة والكرامة.
والجبناء يقدمون لنا وطن مقيد للحريات، فاقد العدالة والسيادة والكرامة، هم اسياده وهم منتهكي كرامة الناس، وهم مقيدي حريتهم، وهم معطلين الحياة العامة والسلم الاجتماعي، بل معيقي الدولة الجامعة دولة المواطنة والحريات والعدالة.
كل هذه الحروب العبثية، التي وقودها شبابنا المتطلع للمستقبل، ويشعل نارها قوى العنف المرتهنة لأجندات اقليمية، ومتعصبة مناطقي وطائفيا وايدلوجيا، وتعلن النفير من عواصم الارتهان والتبعية، شقاه مع الثورة المضادة على امل عودة النظام البائد ليحكم شعب ثار وهو مُتتوِّق للحرية والعدالة والكرامة.
شعب ضاقت به الحياة، ولم يعد يحتمل أكثر، فاتقوا غضبه، فثورته هي مستقبل ابنائه، والحياة التي ينشدونها، ان خدع لفترة، فعلى امل، وان فقد الامل، فلا مبرر لاستمرار الخداع، وسينتفض وينفضكم من على كاهله، مستمرا في ثورته المباركة وأهدافها النبيلة والانسانية، التي ترفض كراهيتكم والعنصرية والصراعات الناتجة عن تلك العقلية، وثورة ثورة حتى النصر.
**المقال خاص بموقع “يمن مونيتور” ويمنع نشره وتداوله إلا بذكر المصدر الرئيس له.
*** المقال يعبر عن رأي كاتبه.