الهاشمية السياسية والتمييز العنصري في اليمن
ما تقوم به سلطات الانقلاب في صنعاء من أعمال إرهابية ضد أبناء شعبنا.. من إشعال فتيل الحروب وقتل الأبرياء وتشريد المواطنين وحصارهم وتفجير بيوتهم ومدارسهم ومساجدهم وقُراهم ومدنهم، بعد أن قامت بالانقلاب على الدولة والشعب في 21 سبتمبر 2014 ..كل ذلك يعتبر – بلا جدال – جرائم ضد الانسانية و جرائم حرب .
هاهي اليوم تكشف عن وجهها العنصري السلالي جماعة قادمة من خارج مكونات الشعب اليمني، كفكرة عنصرية سلالية دعية ومنبوذة، وما الهاشمية السياسية العنصرية إلا لعنة حلت بحلول الانقلاب المَأْفون.
“الهاشمية السياسية” كمصطلح تعني النزعة العرقية والطائفية في آن واحد، فهي خليط من العرقية القبلية “القبيلة الهاشمية ” والمذهبية” المذهب الهادوية – الزيدية – بحسب النصوص القادمة من خارج إطار السياق القرآني، وهي نصوص واهية تعارض كل القيم والأخلاقيات التي جاءت في القرآن الكريم على لسان محمد وبقية الأنبياء عليهم السلام. كما أن المصطلح يتتبع محاولات التسويق السياسي للظاهرة الهاشمية في اليمن على أساس أنها أقلية تستحق الدعم الدولي، وعلى أساس أنها تمثل الزيدية المذهبية والجغرافية.
الهاشمية السياسية كمصطلح قد لا يكون الصيغة النهائية المعبرة عن هذا التطرف لكنه يضع الحدود الإجرائية للتعرف على هذه الظاهرة الإرهابية المستخدمة للعنف للوصول إلى مأربها السياسية. إذا فإنه يشير إلى مجموعة المعتقدات الدينية التي تحصر الإمامة والولاية والحكم في الهاشميين وتحديداً في البطنين أي في سلالة الحسن والحسين.
الهاشمية السياسية فرقة مذهبية عقائدية دينية وعصبوية سلالية قبلية، استخدمت نسبها – المزعوم – المتصل بفاطمة بنت النبي محمد صلى الله عليه وسلم للوصول إلى الحكم، ظهرت في اليمن سنة 282 هجرية بالتحديد في صعدة، حين قدم يحيى بن الحسين الرسي إلى اليمن باحثاً عن مأوى إبان حكم الدولة العباسية، حكمت عصابات الهاشمية السياسية بعض أجزاء اليمن منذ حكم الرسي لصعدة من سنة 284-298، امتد حكمها في بعض الفترات إلى بعض مناطق شمال اليمن، لكنها كانت تنتهي بالانكماش والعودة إلى صعدة، بسبب مقاومة اليمنيين لها وبسبب وجود الدول التي حكمت اليمن مثل العباسيين ومن حكم اليمن تحت نفوذهم مثل الدولة الرسولية والطاهرية والمماليك والأيوبيين ثم دخلت اليمن تحت سلطة العثمانيين، بالإضافة إلى وجود صراع في أساس المذهب الهادوي حيث يجيز “خروج المفضول على الفاضل” مما تسبب في خروج مدعيي الإمامة ضد حكم بعضهم البعض، ومع ذلك كان لها تأثير على بعض مناطق الشمال في اليمن وانتهت أخر دولة لأدعياء الهاشمية السياسية في 26 سبتمبر 1962، بعد أن سلم لهم العثمانيين السلطة في شمال اليمن سنة 1918م، وأخر دعوى معاصرة للهاشمية السياسة هي ظهور الحركة الحوثية سنة 2000 إلى أن انقلبت على الدولة والشعب اليمني في 21 سبتمبر 2014.
وفي هذا السياق فإن مصطلح الهاشمية السياسية يأتي بأربع خصائص عبرت عن التمييز العنصري السلالي الكهنوتي:
▪️ تمييز سياسي، للهاشميين الحكم والولاية والإمامة والخلافة، وإن كانت النصوص الدالة على الأخيرة تعم قريش لكنها اليوم تخص الهاشميين فقط، لأن قريش اِنْدَرَسَ عهدها، أما نصوص الإمامة والولاية فهي حصر على ذرية الحسن والحسين “البطنين”.
▪️ تمييز اقتصادي، يقولون أن الزكاة لا تجوز على بني هاشم لأنها مأخوذة من “أوساخ الناس” كما يزعمون ويؤولون النص بحسب الرغبة، ويحرفون الكلم عن مواضعه، ولذا تم تعويض بني هاشم عن الزكاة بالخُمس، وهو 20 % من ثروات الدولة كالنفط والغاز والمعادن توزع لبني هاشم “البطنين” وهم من يدعون الانتساب لذرية علي ابن أبي طالب من فاطمة، كحصر وراثي للدين والدنيا.
▪️ تمييز اجتماعي، فهم نسل النبي من ابنته فاطمة، وهذا سر التمييز السلالي كما يزعمون، فلهم المقام الرفيع عن بقية الناس، في عنصرية عرقية صفيقة لا يتحملها العقل ولا الفهم البشري، فكل العنصريات ساقطة أمام حقوق الإنسان، كما أن التمييز العرقي مرفوض في كل بلدان العالم، وجاءت الأديان والفلسفات الأخلاقية والقيم العليا لأجل إذابة العنصرية والفوارق الطبقية بين البشر، وعلى كل ذلك استندت أهداف الثورة اليمنية الخالدة فجاء في نص الهدف الأول من أهدافها “إزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات” كما أن الجمهورية اليمنية مُوقعة على “الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري”.
▪️ تمييز ديني، فهم قرناء القرآن ولا تفسير سوى تأويلهم للقرآن، والذي يتوارثونه عن سلالتهم، وهم من يوزعون الدين لبقية المسلمين، ومذهبهم كما يدعون الأقرب للنبي، فهو “برواية الولي عن أبيه عن جده”، وهذا التمييز كهنوتي في الأساس، وكأن الدين جاء بمقاييس أسرة وعائلة وقبيلة وسلالة معينة ومنحهم امتيازات ليست لبقية البشر.
جاء هذا التمييز العنصري فيما يسمي بقرار رئيس المجلس السياسي الأعلى لبني هاشم رقم (48) لسنة 2020 بشأن اللائحة التنفيذية لقانون الزكاة. ليُشبع مفردة التمييز العنصري الاقتصادي الذي أوردناه في خصائص الهاشمية السياسية، وهو ضمن أساليب تمييزها وفرزها لنفسها بعيداً عن تشكيلات ومكونات المجتمع اليمني المتنوعة.
كما جاء هذا التمييز العنصري في الفصل الثامن من القرار المشار إليه، من المادة 47 فيه (ما يجب في الركاز والمعادن) حيث ورد فيه تعريف الخمس بحسب رغبة وشبق الهاشمية السياسية ؛ “الخُمس 20 % فيما يستخرج من باطن الأرض من المعادن والنفط ومشتقاته والغاز والماء والملح والأحجار والكري والنيس والرخام. وكذلك الخُمس 20% فيما يستخرج من البحر؛ السمك، اللؤلؤ والعنبر وغيره. وكذلك الخُمس 20 % في العسل إذا غنم من الشجر والكهوف”.
والخُمس كما تفصله الهاشمية السياسية في قرارها سيء الصيت: يصرف السهم الأول (لله رب بني هاشم) بحسب ما يراه ولي الأمر من بني هاشم. ويصرف السهم الثاني (لرسول بني هاشم) لولي الأمر من بني هاشم مباشرة، والسهم الثالث (لذوي القربى من بني هاشم) والسهم الرابع (ليتامي بني هاشم) والسهم الخامس (لمساكين بني هاشم) والسهم السادس (لابن السبيل من بني هاشم) وقد طعمت الأسهم الرابع والخامس والسادس بلفظ المسلمين للتورية لا أكثر فالإسلام دينهم وحدهم والبقية إما تكفيريين وإما دواعش بحسب تصريحاتهم عبر وسائل إعلامهم.
هذا ما جاء صراحة في نص بروتكولاتهم والتي انبثق عنها قراراهم المشار إليه وأما في الواقع اليومي للمناطق تحت سيطرتهم فهم يأخذون أموال الناس عن طريق الجبايات التي ابتدعوا لها أسماء لا حصر لها ولا يكتفون بالخمس من ثروات الدولة كما فصلوه في هذا القرار.
كل من يحلمون بالسلام مع الهاشمية السياسية واهمون، كل من يحلمون بالعيش المشترك مع الهاشمية السياسية حالمون، كل من يضع يده في يد الهاشمية السياسية يجني على نفسه وعلى الناس ويرتكب معهم هذا الجرم العنصري، مع أن الأوضاع مازالت غير مستقرة وإذا بهم يتعاملون بسياسة الأمر الواقع فوضعوا اللوائح والقوانين التي يحلمون بها منذ سقوط دولة الكهانة السلالية في 26 سبتمبر 1962.
تستند الهاشمية السياسية في فرض قوانينها ولوائحها إلى شريعة الغاب، ولنصوص دينية واهية أتت عبر الفهم الجامد والمغلوط والمُفتَرى على الدين، روّج له وعاظ السلاطين من المشايخ وحماة وحراس المعبد وحراس العقيدة وحراس الله والرسول ممن يسيرون خلف مزاعم الهاشمية السياسية بوعي أو بدون وعي في حرف النصوص القرآنية والاستناد على النصوص “الوضعية” والتي لا تتفق لا شكلاً ولا مضموناً مع النص القرآني الكريم.
دول العالم الإسلامي اليوم وضعت الزكاة في خدمة المجتمع من مصر إلى الكويت إلى ماليزيا وغيرها من الدول، وهناك مؤسسات رائدة مثل مؤسسة “مارا” في ماليزيا، “وبيت الزكاة والصدقات في مصر”، “وبيت الزكاة الكويتي” ، وهي مختصة بجمع الزكاة والتبرعات والصدقات وتوزيعها وفقاً لسياسة كل دولة على حده بما يخدم العملية التنموية في تلك البدان.
أما مسألة الركاز والمعادن والنفط الخ الخ فهي حق للشعوب وكل أموالها تعود على الشعب – باعتبار الدولة دولة الشعب – وليست غنائم ولا فيد لفئة أو فصيل أو لون عنصري معين، والدولة تصرف كل مال الشعب للشعب، ومنه النفط وكل أنواع الركاز ولا تصرف الخُمس 20% منه لبعض فصائل الشعب أو إثنياته العرقية والطائفية.
إن الهاشمية السياسية العنصرية هي الوبال على اليمن، ولذلك عندما طالب “اليمنيون” ((بتجريم الهاشمية السياسية)) في ندوة (الهاشمية السياسية وخطرها على الأمة اليمنية) في 16 يناير 2018 التي عقدها مركز يمنيون للدراسات جُوبه بالشك من قبل بعض الجهات قاصرة النظر أو التي رتبت وضعها مع الهاشمية السياسية من المشاريع الصغيرة والقروية والجهوية أو بعض المتمسكين بالقشور والفهم المغلوط لنص القرآن، وفي مخالفة صريحة للدستور والقانون اليمني، ولكل الدساتير والقوانين سارية المفعول في الدول العربية والإسلامية.
ها هي الهاشمية السياسية تفصح عن وجهها القبيح، ولا تتورع عن الغي، مستخدمة سلطتها الانقلابية في تمرير اللوائح والقوانين والتي ستكون من جملة ما سيتمسكون بها من التشريعات في أي تسوية سياسية قادمة على حساب الشعب اليمني، بينما الشرعية اليوم صامتة، والأحزاب السياسية لا تلتفت لهذه المسألة، فهي مهتمة كعادتها بالمحاصصة والوظائف والمقاعد، ومشغولة بجدلها الأيديولوجي العقيم.
لا سبيل سوى تجريم الهاشمية السياسية العنصرية في الدستور والقانون، ويتحمل كل أهل الوعي والثقافة والفكر والتنوير دورهم الريادي في هذه المسألة، حتى تصير مادة دستورية وقانوناً ولائحة سارية المفعول في الجمهورية اليمنية.
ولذا ندعو كل أحرار ومثقفي اليمن وقياداتها الفكرية والحزبية والنقابية والشبابية وكل أهل الفكر والرأي من الإعلاميين والسياسيين والأكاديميين والقانونيين والاقتصاديين والمختصين في مجالات العلوم الاجتماعية والتاريخ والانثروبولوجيا.. ندعوهم للقيام بدورهم التنويري في فضح الهاشمية السياسية العنصرية وإرهابها وتضليلها ودحض افتراءاتها في كل المجالات وعبر مختلف الوسائل التنويرية .