لأول مرة.. الأزمة اليمنية خارج حسابات الحرب على الإرهاب
يمكن القول إن أزمة 2014 و 2015م في اليمن كانت من نتائج حلول أزمة 2011 و 2012م، حيث فصَّل الخارج تلك الحلول على مقاس حربه على الإرهاب لا أكثر. والإرهاب مشكلة من مشاكل اليمن التي لم تكن هدفا رئيسيا للثورة، أما الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، الذي قامت الثورة عليه، فقد أصبح، بموجب تلك الحلول، شريكا في الحرب على الإرهاب، وهو ما استدعى بقاءه شريكا في السلطة التي سعى منذ الوهلة الأولى للانقلاب عليها. يمن مونيتور/ تقرير خاص من (محمد مراد)
يمكن القول إن أزمة 2014 و 2015م في اليمن كانت من نتائج حلول أزمة 2011 و 2012م، حيث فصَّل الخارج تلك الحلول على مقاس حربه على الإرهاب لا أكثر. والإرهاب مشكلة من مشاكل اليمن التي لم تكن هدفا رئيسيا للثورة، أما الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، الذي قامت الثورة عليه، فقد أصبح، بموجب تلك الحلول، شريكا في الحرب على الإرهاب، وهو ما استدعى بقاءه شريكا في السلطة التي سعى منذ الوهلة الأولى للانقلاب عليها.
وفي العام 2014م استطاع صالح التخلص ممن أرادوا التخلص منه عام 2011م، عبر جماعة الحوثي التي يبدو أنها كانت مجرد واجهة لطموحاته، أما الخارج الذي رعى الحل السياسي المنقلب عليه عسكريا فقد بدا، كمعظم اليمنيين، مستسلما للأمر الواقع المفروض، بل وبدأ بالتنسيق مع سلطة الأمر الواقع في مجال الحرب على الإرهاب التي لا يرى اليمن من غير زاويتها، متجاهلا حروب من ينسق معهم على اليمنيين وتبعاتها الفادحة.
فخلال معارك مليشيا الحوثي وقوات صالح مع قبائل بلدة رداع بمحافظة البيضاء، وسط اليمن، تدخل الطيران الأمريكي دون طيار وقصف مسلحي القبائل، بعد أن كانوا قد أحرزوا تقدما كبيرا في المعارك، كما تكرر تدخل الطيران الأمريكي دون طيار في محافظات يمنية أخرى لصالح مليشيا الحوثي وقوات صالح، كمحافظة الجوف ومحافظة شبوة بشمالي وشرق اليمن.
وبعيدا عن الدور العسكري الأمريكي، ظل الدور العسكري التوسعي لجماعة الحوثي يُقدم على أنه لغرض محاربة الإرهاب، في غزل واضح للمخاوف الأمريكية، حيث أكد زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، في كلمة متلفزة عقب دخولهم العاصمة صنعاء بثلاثة أيام، أنه سيذهب إلى معاقل القاعدة لمحاربتها.
متى يتحرك الخارج
وخلال عام 2011م، حين كان شباب الثورة اليمنية يصلون الليل بالنهار في سبيل تحقيق مطالبهم المتمثلة برحيل نظام صالح، كان الخارج الإقليمي والدولي يغط في سبات عميق، ولم توقظه إلا مخاوفه من تحول واقع الأزمة إلى بيئة خصبة للإرهاب، بعد أن سيطر تنظيم القاعدة على مساحات شاسعة من محافظات أبين وشبوة والبيضاء بجنوب وشرق ووسط اليمن.
ولهذا ذهب الخارج مع أطراف الصراع في الداخل إلى محافظة أبين لمحاربة تنظيم القاعدة فور التوقيع على الحل السياسي المعروف بـ”المبادرة الخليجية” أما الشعب اليمني فقد اعتقد أنه أمام مرحلة جديدة سمتها البارزة التعامل بجدية مع مختلف الملفات، لكن هذا الاعتقاد بدأ يتبدد شيئا فشيئا بل تحول إلى نكتة سمجة يوم 21 سبتمبر 2014م حين دخلت جحافل جماعة الحوثي إلى العاصمة صنعاء دون أن تطلق المعسكرات المحيطة بالعاصمة رصاصة واحدة ولو في الهواء.
وقبل أن تأتي جماعة الحوثي إلى العاصمة صنعاء حالت حسابات الحرب على الإرهاب دون ذهاب الدولة إلى محافظة صعدة، لاستعادتها من الجماعة، كما فعلت مع تنظيم القاعدة في أبين وشبوة والبيضاء، لهذا واصلت الجماعة طريقها إلى العاصمة التي دخلتها بتنسيق مع سفارات غربية، بحسب محمد عبد السلام، الناطق الرسمي باسم الجماعة. وما من شك أن سفارة أمريكا من بين السفارات التي تم التنسيق معها.
لكن المملكة العربية السعودية، وبعد قدوم الملك سلمان، تعاملت مع تلك التطورات بعيدا عن حسابات الحرب على الإرهاب، وهو ما لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية تتوقعه، فبينها وبين المملكة شراكة أمنية وعسكرية في مجال الحرب على تنظيم القاعدة في اليمن يزيد عمرها عن عقد من الزمن، وظل ملف التنظيم في اليمن على رأس قائمة أولويات البلدين، كما تؤكد ذلك كثير من الوقائع والأحداث، منها مشاركة الطيران الحربي السعودي إلى جانب الطيران الأمريكي دون طيار في معارك محافظتي أبين وشبوة خلال عامي 2011 و 2012م، كما نقلت ذلك صحيفة التايمز البريطانية عن مسئولين أمريكيين، بالإضافة إلى سماح المملكة للولايات المتحدة ببناء قاعدة سرية لطائراتها دون طيار على أراضيها، كما أكدت ذلك صحيفة الواشنطن بوست، واطمئنانا إلى هذه الشراكة غضت أمريكا الطرف عن انقلاب الحوثي وصالح.
من هنا بدت الولايات المتحدة الأمريكية قلقة من أن يؤثر التدخل العسكري للمملكة العربية السعودية في اليمن على جهود مكافحة الإرهاب، متناسية أن انقلاب جماعة الحوثي هو الذي استدعى هذا التدخل، وأن المملكة شريك أكثر من فاعل في حرب الإرهاب.
مخاوف وأولويات
وبرغم أن مخاوف أمريكا باتت واقعا حيا، تجلى في عدد من العمليات الإرهابية التي أفصحت عن حضور قوي لتنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة في المحافظات الجنوبية المحررة، خصوصا محافظة عدن التي كان يفترض أن تصبح عاصمة بديلة إلى حين تحرير العاصمة صنعاء، إلا أن هذا لم يحل دون سعي المملكة لتحرير باقي المحافظات اليمنية من قبضة جماعة الحوثي، وإن حاولت لاحقا تفادي الأخطاء التي أدت إلى تدهور الوضع الأمني في تلك المحافظات، كما يوحي بذلك نموذج محافظة مأرب.
ومن المستبعد أن تقود مخاوف أمريكا من تنامي الجماعات التي تعتبرها مصدر خطر على أمنها القومي إلى حلول شبيهة بحلول عامي 2011 و 2012م، فالأمر هنا يتعلق بطرف يشكِّل وجوده خطرا على أمن المملكة العربية السعودية الذي لا يمكن لأمريكا تجاوزه ولا للمملكة التهاون فيه، على الأقل في عهد الملك سلمان.
وفي ظل حالة عدم الانسجام بين أولويات ومخاوف المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية في اليمن، سيبقى الخيار العسكري ضد جماعة الحوثي قائما، وإن استفادت منه جماعات محظورة، ما لم تطرأ مستجدات تعيد ترتيب الأولويات.