هزموا، وانتصرت “آنستنا ياعيد”
كانت أمنيتي في العيد أن أسكن في بيت مطل على شارع حتى أتمعن في وجوه الناس وتفاصيل سعادتهم عوضا عن الاشجار المتخشبة والقطط الشاردة.
الأن، يطل مسكني على شارع رئيسي، خط للذهاب واخر للإياب. أراقب عن قرب كل حركة. هناك المجانين، الاطفال، كل أنواع المركبات، الكلاب، الأشجار، العصافير ولا انسى ذكر الحمامة الساذجة التي تسعى كل صباح لاختراق الزجاج طمعا في نباتاتي. أعرف متى تأتي من صوت ارتطامها.
قرابة ستة أعوام وأعيادنا تتسم بالإثارة. مابين قصف وترقب للطائرات وأخبار القتلى والمخفيين والمعتقلين هنا وهناك وغالبا لا تنطلي علينا حيلة السعادة لكننا ندعي أننا سعداء بالعيد وقلوبنا متخمة بالوجع والتوتر والقلق على أنفسنا وعلى أحبائنا.
منذ ٤٦ عاما وعلي بن علي الأنسي يوصينا بالانس والسعادة والمحبة في أبسط وأجمل صورها لكننا تركنا أنسنا بالعيد، نردد كعادة قديمة: ” الفرح للأطفال، أما نحن فلم يعد هناك شيء يستحق الفرح”، جعلنا من العيد إلتزاماً بالفرح إلى ان فقد توهجه وبهجته وبساطته وارتدينا مظاهر الريا، النفاق والتكلف ونسينا المغزى الحقيقي للعيد وهو طيّ صفحة من الضغوط والكراهية والمشاعر السلبية المتراكمة وبدء واحدة جديدة.
جاءت الجائحة كورونا، نالت من الحصار المفروض علينا، هُزم المتحاربون وتجار الحروب كما هزمت دول العالم الكبرى. وخسرنا الفرح الحقيقة وادعائه في آن واحد وبقيت ” انستنا يا عيد ” لتكون المصدر الوحيد للبهجة.
هناك رسائل من بعيد تأتى لتخبرنا كم كنا جاحدين لكل لحظة سنحت لنا لزيارة بعضنا وتركناها هباء .
كم كنا أغبياء حين ندعي الفرح ونتصنع الشعور ولا نعيشه بشكل حقيقي تكبرا على شعورنا الطفولي.
كم كنا نتعانق ونقبل بعضنا وقلوبنا موحلة، موغلة في السواد حتى جاء ما جاء وجعلنا نتمنى لحظة دافئة مع احبائنا لتنعشنا ونزهو بها وتزيد أرواحنا نظارة.
يبدو أن خطوط التجاعيد ستظهر على أجسادنا قريبا من فرط الشوق والحنين للماضي .. لأقرب قريب يعيش معنا، و يكون إلى جوارنا!
وقد يكون على بعد أمتار فقط ولا نستطيع رؤيته!
وقد يصبح القريب مجرد ذكرى وماضي عند البعض والبعض الاخر يموت وحيدا بلا قريب ولا ذكرى ولا ماضي
كم نحن اليوم غرباء!